أعظم منه (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) هو شجر معروف ينتفع بورقة في الغسل وثمره النبق ولم يكن السدر الذي بدلوه مما ينتفع به بل كان سدرا بريا لا يصلح لشيء قيل : كان شجر القوم من خير الشجر فصيره الله من شر الشجر بأعمالهم وهو قوله تعالى :
(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢))
(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) أي ذلك فعلنا بهم جزاء كفرهم (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) أي هل يكافأ بعمله إلا الكفور لله في نعمه ، قيل المؤمن يجزي ولا يجزى يجازى بحسناته ، ولا يكافأ بسيئاته (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) أي بالماء والشجر ، وهي قرى الشام (قُرىً ظاهِرَةً) أي متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها قيل : كان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى الشام ، وقيل : كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي قدرنا سيرهم بين هذه القرى فكان سيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم ، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى القرية ذات مياه وأشجار ، فكان ما بين اليمن والشام كذلك (سِيرُوا) أي وقلنا لهم سيروا (فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً) أي في أي وقت شئتم (آمِنِينَ) أي لا تخافون عدوا ولا جوعا ولا عطشا فبطروا النعمة ، وسئموا الراحة وطغوا ولم يصبروا على العافية فقالوا : لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيها وطلبوا الكد والتعب في الأسفار (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) وقرئ باعد بين أسفارنا أي اجعل بيننا وبين الشام مفاوز وفلوات لنركب فيها الرواحل ، ونتزود الأزواد فلما تمنوا ذلك عجل الله لهم الإجابة (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) أي بالبطر والطغيان (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) أي عبرة لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق قيل : لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد فأما غسان فلحقوا بالشام ومر الأزد إلى عمان وخزاعة إلى تهامة ومر الأوس والخزرج إلى يثرب ، وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر ، وهو جد الأوس والخزرج ولحق آل خزيمة بالعراق (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي لعبرا ودلالات (لِكُلِّ صَبَّارٍ) أي عن المعاصي (شَكُورٍ) أي لله على نعمه قيل ، المؤمن صابر على البلاء شاكر للنعماء وقيل : المؤمن إذا أعطى شكر وإذا ابتلي صبر. قوله عزوجل (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) قيل على أهل سبأ وقيل على الناس كلهم (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني المؤمنين كلهم لأنهم لم يتبعوه في أصل الدين ، وقيل هو خاص بالمؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه ، قال ابن قتيبة : إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله قال لأغوينهم ولأضلنهم ولم يكن مستيقنا وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قاله ظنا فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم وقال الحسن إنه لم يسل عليهم سيفا ، ولا ضربهم بسوط إنما وعدهم ومناهم فاغتروا (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) يعني ما كان تسليطنا إياه عليهم (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) يعني لنرى ونميز المؤمن من الكافر وأراد علم الوقوع ، والظهور إذ كان معلوما