قوله عزوجل (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني المطر والنبات (قُلِ اللهُ) يعني إن لم يقولوا إن رزاقنا هو الله فقل : أنت إن رازقكم هو الله (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) معناه ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال ، وهذا ليس على طريق الشك بل جهة الإلزام والإنصاف في الحجاج ، كما يقول القائل أحدنا كاذب ، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب فالنبي صلىاللهعليهوسلم ومن اتبعه على الهدى ومن خالفه في ضلال فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب ومنه بيت حسان :
أتهجوه ولست له بكفء |
|
فشركما لخيركما الفداء |
وقيل أو بمعنى الواو ، ومعنى الآية إنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا) أي لا تؤاخذون به (وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي من الكفر والتكذيب وقيل أراد بالإجرام الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن وبالعمل الكفر والمعاصي العظام (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) أي يوم القيامة (ثُمَّ يَفْتَحُ) يعني يقضي ويحكم (بَيْنَنا بِالْحَقِ) يعني بالعدل (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) يعني القاضي (الْعَلِيمُ) يعني بما يقضي (قُلْ أَرُونِيَ) أعلموني (الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ) يعني بالله (شُرَكاءَ) يعني الأصنام التي أشركوها معه في العبادة هل يخلقون أو يرزقون وأراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله (كَلَّا) كلمة ردع لهم عن مذهبهم والمعنى ارتدعوا فإنهم لا يخلقون ولا يرزقون (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ) أي الغالب على أمره (الْحَكِيمُ) أي في تدبير خلقه فأنى يكون له شريك في ملكه. قوله عزوجل (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) يعني للناس كلهم عامة أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم وقيل الرسالة عامة لهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد (ق) عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهور ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة». في الحديث بيان الفضائل التي خص الله بها نبينا محمدا صلىاللهعليهوسلم دون سائر الأنبياء ، وأن هذه الخمسة لم تكن لأحد ممن كان قبله من الأنبياء ، وفيه اختصاصه بالرسالة العامة لكافة الخلق الإنس والجن وكان النبي قبله يبعث إلى قومه أو إلى أهل بلده فعمت رسالة نبينا صلىاللهعليهوسلم ، جميع الخلق وهذه درجة خص بها دون سائر الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ، وقيل في معنى كافة أي كافا تكفهم عما هم عليه من الكفر فتكون الهاء للمبالغة (بَشِيراً) أي لمن آمن بالجنة (وَنَذِيراً) أي لمن كفر بالنار (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعني يوم القيامة (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) معناه لا تتقدمون على يوم القيامة وقيل : عن يوم الموت ولا تتأخرون عنه بأن يزاد في آجالهم أو ينقص منها (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يعني التوراة والإنجيل (وَلَوْ تَرى) أي يا محمد (إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) معناه ولو ترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) وهم الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهو القادة والأشراف (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) يعني أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله.
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً