قال لوط لقومه (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي) وحق على الرجل إكرام ضيفه (فَلا تَفْضَحُونِ) يعني فيهم يقال فضحه يفضحه إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار بسببه (وَاتَّقُوا اللهَ) يعني خافوا الله في أمرهم (وَلا تُخْزُونِ) يعني ولا تخجلون (قالُوا) يعني : قوم لوط الذين جاءوا إليه (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) يعني أولم ننهك عن أن تضيف أحدا من العالمين. وقيل : معناه أو لم ننهك أن تدخل الغرباء إلى بيتك ، فانا نريد أن نركب منهم الفاحشة : وقيل : معناه ألسنا قد نهيناك أن تكلمنا في أحد من العالمين إذا قصدناه بالفاحشة.
(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥))
(وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠))
(قالَ) يعني قال لوط لقومه الذين قصدوا أضيافه (هؤُلاءِ بَناتِي) أزوجكم إياهن إن أسلمتم فأتوا الحلال ودعوا الحرام وقيل : أراد بالبنات نساء قومه لأن النبي كالوالد لأمته (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) يعني ما آمركم به (لَعَمْرُكَ) الخطاب فيه للنبي صلىاللهعليهوسلم قال ابن عباس : معناه وحياتك يا محمد وقال ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمد صلىاللهعليهوسلم وما أقسم بحياة أحد إلا بحياته والعمر واحد وهو اسم لمدة عمارة بدن الإنسان بالحياة والروح وبقائه مدة حياته. قال النحويون : ارتفع لعمرك بالابتداء والخبر محذوف والمعنى لعمرك قسمي فحذف الخبر لأن في الكلام دلالة عليه. (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) يعني في حيرتهم وضلالتهم وقيل غفلتهم (يَعْمَهُونَ) يعني يترددون متحيرين وقال قتادة : يلعبون (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) يعني حين أضاءت الشمس فكان ابتداء العذاب الذي نزل بهم وقت الصبح وتمامه وانتهاؤه حين أشرقت الشمس (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) تقدم تفسيره في سورة هود (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعني الذي نزل بهم من العذاب (لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال ابن عباس : للناظرين. وقال قتادة : للمعتبرين. وقال مقاتل : للمتفكرين. وقال مجاهد : للمتفرسين ويعضد هذا التأويل ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ إن في ذلك لآيات للمتوسمين» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب. الفراسة بالكسر اسم من قولك تفرست في فلان الخير. وهي على نوعين : أحدهما ما دل عليه ظاهر الحديث ، وهو ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون بذلك أحوال الناس بنوع من الكرامات ، وإصابة الحدس والنظر والظن والتثبت ، والنوع الثاني ما يحصل بدلائل التجارب والخلق والأخلاق تعرف بذلك أحوال الناس أيضا وللناس في علم الفراسة تصانيف قديمة وحديثة. قال الزجاج : حقيقة المتوسمين في اللغة المتثبتين في نظرهم حتى يعرفوا سمة الشيء وصفته وعلامته فالمتوسم الناظر في سمة الدلائل ، تقول توسمت في فلان كذا أي عرفت وسم ذلك وسمته (وَإِنَّها) يعني قرى قوم لوط (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) يعني بطريق واضح. قال مجاهد : بطريق معلم ليس بخفي ولا زائل والمعنى : أن آثار ما أنزل الله بهذه القرى من عذابه وغضبه لبسبيل مقيم ثابت لم يدثر ولم يخف ، والذين يمرون عليها من الحجاز إلى الشام يشاهدون ذلك ويرون أثره (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعني الذي ذكر من عذاب قوم لوط ، وما أنزل بهم (لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) يعني المصدقين لما أنزله على رسوله صلىاللهعليهوسلم (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) يعني كان أصحاب الأيكة وهي الغيضة ، واللام في قوله لظالمين للتأكيد وهم قوم شعيب عليهالسلام كانوا أصحاب غياض ، وشجر ملتف وكان عامة شجرهم المقل وكانوا قوما كافرين فبعث الله عزوجل إليهم شعيبا رسولا فكذبوه فأهلكهم الله فهو قوله تعالى (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) يعني بالعذاب ، وذلك أن الله سبحانه وتعالى سلط عليهم الحر سبعة أيام حتى أخذ