بأنفاسهم وقربوا من الهلاك فبعث الله سبحانه وتعالى سحابة كالظلة فالتجؤوا إليها ، واجتمعوا تحتها يلتمسون الروح فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم جميعا (وَإِنَّهُما) يعني مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب الأيكة (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) يعني طريق واضح مستبين لمن مر بهما ، وقيل : الضمير راجع إلى الأيكة ومدين لأن شعيبا كان مبعوثا إليهما وإنما سمي الطريق إماما لأنه يؤم ويتبع ، ولأن المسافر يأتمّ به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده. قوله عزوجل (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) قال المفسرون : الحجر اسم واد كان يسكنه ثمود وهو معروف بين المدينة النبوية والشام وآثاره موجودة باقية يمر عليها ركب الشام إلى الحجاز ، وأهل الحجاز إلى الشام وأراد بالمرسلين صالحا وحده ، وإنما ذكره بلفظ الجمع للتعظيم أو لأنهم كذبوه ، وكذبوا من قبله من الرسل.
(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨))
(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) يعني الناقة وولدها والآيات التي كانت في الناقة خروجها من الصخرة ، وعظم جثتها وقرب ولادها وغزارة لبنها ، وإنما أضاف الآيات إليهم وإن كانت لصالح ، لأنه مرسل إليهم بهذه الآيات (فَكانُوا عَنْها) يعني عن الآيات (مُعْرِضِينَ) يعني تاركين لها غير ملتفتين إليها (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) خوفا من الخراب أو أن يقع عليهم الجبل أو السقف (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) يعني العذاب (مُصْبِحِينَ) يعني وقت الصبح (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) يعني من الشرك والأعمال الخبيثة (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما مر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالحجر قال : «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادي» قوله سبحانه وتعالى (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) يعني لإظهار الحق والعذاب ، وهو أن يثاب المؤمن المصدق ويعاقب الجاحد الكافر الكاذب (وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) يعني : وإن القيامة لتأتي ليجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم أي فأعرض عنهم يا محمد واعف عنهم عفوا حسنا. واحتمل ما تلقى من أذى قومك وهذا الصفح والإعراض منسوخ بآية القتال ، وقيل فيه بعد لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم ، أن يظهر الخلق الحسن وأن يعاملهم بالعفو والصفح الخالي من الجزع والخوف (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) يعني أنه سبحانه وتعالى خلق خلقه ، وعلم ما هم فاعلوه وما يصلحهم. قوله عزوجل (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) قال ابن الجوزي : سبب نزولها أن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد ، فيها أنواع من البز والطيب والجواهر ، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله فأنزل الله هذه الآية. وقال : قد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه السبع القوافل ويدل على صحة هذا قوله (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) الآية قال الحسن بن الفضل قلت وهذا القول ضعيف ، أو لا يصح لأن هذه السورة مكية ، بإجماع أهل التفسير وليس فيها من المدني شيء. ويهود قريظة والنضير ، كانوا بالمدينة وكيف يصح أن يقال إن سبع قوافل جاءت في يوم واحد ، فيها أموال عظيمة حتى تمناها المسلمون فأنزل الله هذه الآية ، وأخبرهم أن هذه السبع آيات هي خير من هذه السبع القوافل والله أعلم ، وفي المراد بالسبع المثاني أقوال أحدها