(بِأَمْرِهِ) يعني بأمر ربها مقهورات تحت قهره يصرفها كيف يشاء ، ويختار وأنها ليس لها تصرف في نفسها فضلا عن غيرها ، ولما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه خلق هذه النجوم وجعلها مسخرات لمنافع عباده ختم هذه الآية بقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يعني أن كل من كان له عقل صحيح سليم علم أن الله سبحانه وتعالى ، هو الفعال المختار وأن جميع الخلق تحت قدرته ، وقهره وتسخيره لما أراده منهم.
(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣))
(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) يعني وما خلق لكم في الأرض ، وسخر لأجلكم من الدواب والأنعام والأشجار والثمار (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) يعني في الخلقة والهيئة والكيفية واختلاف ألوان المخلوقات مع كثرتها ، حتى لا يشبه بعضها بعضا من كل الوجوه ، فيه دليل قاطع على كمال قدرة الله ولذلك ختم هذه الآية بقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ) لما ذكر الله سبحانه وتعالى الدلائل الدالة على قدرته ، ووحدانيته من خلق السموات والأرض ، وخلق الإنسان من نطفة وخلق سائر الحيوان والنبات وتسخير الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك ، من آثار قدرته ، وعجائب صنعته وذكر إنعامه في ذلك على عباده ، ذكر بعد ذلك إنعامه على عباده بتسخير البحر لهم نعمة من الله عليهم ، ومعنى تسخير الله البحر لعباده جعله بحيث يتمكن الناس من الانتفاع به. فقال تعالى : وهو الذي سخر البحر (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) فبدأ بذكر الأكل لأنه أعظم المقصود ، لأن به قوام البدن وفي ذكر الطري مزيد فائدة دالة على كمال قدرة الله تعالى ، وذلك أن السمك لون كان كله مالحا لما عرف به من قدرة الله تعالى ، ما يعرف بالطري لأنه لما خرج من البحر الملح الزعاق ، الحيوان الطري الذي لحمه في غاية العذوبة علم أنه إنما حدث بقدرة الله ، وخلقه لا بحسب الطبع وعلم بذلك أن الله قادر على إخراج الضد من الضد. المنفعة الثانية قوله تعالى (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) يعني اللؤلؤ والمرجان ، كما قال تعالى : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان والمراد بلبسهم لبس نسائهم لأن زينة النساء بالحلي ، وإنما هو لأجل الرجال فكان ذلك زينة لهم. المنفعة الثالثة قوله تعالى (وَتَرَى الْفُلْكَ) يعني السفن (مَواخِرَ فِيهِ) يعني جواري فيه قال قتادة : مقبلة ومدبرة وذلك أنك ترى سفينتين إحداهما تقبل والأخرى تدبر تجريان بريح واحدة ، وأصل المخر في اللغة الشق يقال : مخرت السفينة مخرا إذا شقت الماء بجؤجؤها. وقال مجاهد : تمخر الرياح السفن يعني أنها إذا جرت يسمع لها صوت قال أبو عبيدة : يعني من صوائح والمخر صوت هبوب الريح عند شدتها وقال الحسن : مواخر يعني مواقر أي مملوءة متاعا (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعني الأرباح بالتجارة في البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعني إنعام الله عليكم إذا رأيتم نعم الله فيما سخر لكم (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) يعني جبالا ثقالا (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) يعني لئلا تميل وتضطرب