بكم ، والميد هو اضطراب الشيء العظيم كالأرض ، وقال وهب : لما خلق الله سبحانه وتعالى الأرض جعلت تمور وتتحرك فقالت الملائكة : إن هذه غير مقرة أحدا على ظهرها فأصبحوا ، وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال (وَأَنْهاراً) يعني وجعل فيها أنهارا لأن في ألقى معنى الجعل ، فقوله سبحانه وتعالى : وأنهارا معطوف على وألقى ، ولما ذكر الله الجبال ذكر بعدها الأنهار لأن معظم عيون الأنهار ، وأصولها تكون من الجبال (وَسُبُلاً) يعني وجعل فيها طرقا مختلفة تسلكونها في أسفاركم ، والتردد في حوائجكم من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) يعني بتلك السبل إلى ما تريدون فلا تضلون (وَعَلاماتٍ) يعني وجعل فيها علامات تهتدون بها في أسفاركم قال بعضهم : تم الكلام عند قوله : وعلامات ثم ابتدأ (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) قال محمد بن كعب والكلبي : أراد بالعلامات الجبال والنجوم ، فالجبال علامات النهار ، والنجوم علامات الليل. وقال مجاهد : أراد بالكل النجوم فمنها ما يكون علامات ومنها ما يهتدي به. وقال السدي : أراد بالنجم الثريا وبنات نعش والفرقدين والجدي ، فهذه يهتدى بها إلى الطريق والقبلة. وقال قتادة : إنما خلق الله النجوم لثلاثة أشياء لتكون زينة السماء ومعالم الطريق ورجوما للشياطين فمن قال غير هذا فقد تكلف ما لا علم له به. قوله سبحانه وتعالى (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) لما ذكر الله عزوجل من عجائب قدرته وغرائب صنعته ، وبديع خلقه ما ذكر على الوجه الأحسن والترتيب الأكمل ، وكانت هذه الأشياء المخلوقة المذكورة في الآيات المتقدمة كلها دالة على كمال قدرة الله تعالى ، ووحدانيته وأنه تعالى هو المنفرد بخلقها جميعا قال على سبيل الإنكار على من ترك عبادته واشتغل بعبادة هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، ولا تقدر على شيء (أَفَمَنْ يَخْلُقُ) يعني هذه الأشياء الموجودة المرئية بالعيان ، وهو الله تعالى الخالق لها (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) يعني هذه الأصنام العاجزة التي لا تخلق شيئا البتة ، لأنها جمادات لا تقدر على شيء ، فكيف يليق بالعاقل أن يشتغل بعبادتها ويترك عبادة من يستحق العبادة وهو الله خالق هذه الأشياء كلها ، ولهذا المعنى ختم هذه الآية بقوله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) يعني أن هذا القدر ظاهر غير خاف على أحد فلا يحتاج فيه إلى دقيق الفكر والنظر بل مجرد التذكر فيه ، كفاية لمن فهم وعقل واعتبر بما ذكره. بقي في الآية سؤالان : الأول : قوله : كمن لا يخلق المراد به الأصنام وهي جمادات لا تعقل فكيف يعبر عنها بلفظة من وهي لمن يعقل ، والجواب عنه أن الكفار لما سموا هذه الأصنام آلة وعبدوها أجريت مجرى من يعقل في زعمهم ألا ترى إلى قوله : بعد هذا والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا فخاطبهم على قدر زعمهم ، وعقولهم. السؤال الثاني : قوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق المقصود منه إلزام الحجة على من عبد الأصنام حيث جعل غير الخالق مثل الخالق ، فكيف قال على سبيل الاستفهام أفمن يخلق كمن لا يخلق والجواب عنه أنه ليس المراد منه الاستفهام بل المراد منه أن من خلق الأشياء العظيمة وأعطى هذه النعم الجزيلة ، كيف يسوى بينه وبين هذه الجمادات الخسيسة في التسمية والعبادة ، وكيف يليق بالعاقل أن يترك عبادة من يستحق العبادة لأنه خالق هذه الأشياء الظاهرة كلها ، ويشتغل بعبادة جمادات لا يخلق شيئا البتة والله أعلم. وقوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) يعني أن نعم الله على العبد فيما خلق الله فيه من صحة البدن وعافية الجسم ، وإعطاء النظر الصحيح والعقل السليم ، والسمع الذي يفهم به الأشياء وبطش اليدين وسعي الرجلين إلى غير ذلك مما أنعم به عليه في نفسه ، وفيما أنعم به عليه مما خلق له من جميع ما يحتاج إليه من أمر الدين والدنيا لا تحصى حتى لو رام أحد معرفة أدنى نعمة من هذه النعم لعجز عن معرفتها وحصرها فكيف بنعمة العظام التي لا يمكن الوصول إلى حصرها لجميع الخلق فذلك قوله تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) يعني ولو اجتهدتم في ذلك وأتعبتم نفوسكم لا تقدرون عليه (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) يعني لتقصيركم في القيام بشكر نعمته كما يجب عليكم (رَحِيمٌ) يعني بكم حيث وسع عليكم النعم ، ولم يقطعها عنكم بسبب التقصير ، والمعاصي (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) يعني أن الكفار مع كفرهم كانوا يسرون أشياء. وهو ما كانوا