(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) يعني لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم كفار مكة الذين اقتسموا عقابها ، وطرقها إذا سألهم الحاج الذين يقدمون عليهم (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يعني أحاديثهم وأباطيلهم (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) اللام في ليحملوا لام العاقبة وذلك أنهم لما وصفوا القرآن بكونه أساطير الأولين ، كانت عاقبتهم بذلك أن يحملوا أوزارهم يعني ذنوب أنفسهم وإنما قال سبحانه وتعالى : كاملة لأن البلايا التي أصابتهم في الدنيا وأعمال البر التي عملوها في الدنيا ، لا تكفر عنهم شيئا يوم القيام بل يعاقبون بكل أوزارهم قال الإمام فخر الدين : وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين ، إذ لو كان هذا المعنى حاصلا في حق الكل ، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل فائدة. وقوله سبحانه وتعالى (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعني ويحصل للرؤساء الذين أضلوا غيرهم وصدوهم عن الإيمان ، مثل أوزار الأتباع والسبب فيه ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» أخرجه مسلم ومعنى الآية ، والحديث أن الرئيس أو الكبير إذا سنّ سنة حسنة أو سنة قبيحة ، فتبعه عليها جماعة ، فعملوا بها فإن الله سبحانه وتعالى يعظم ثوابه أو عقابه حتى يكون ذلك الثواب أو العقاب مساويا لكل ما يستحقه كل واحد من الأتباع ، الذين عملوا بسنته الحسنة أو القبيحة ، وليس المراد أن الله تعالى يوصل جميع الثواب أو العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤساء ، لأن ذلك ليس بعدل ويدل عليه قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقوله تعالى : «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى». قال الواحدي : ولفظة من في قوله ومن أوزار الذين يضلونهم ، بغير علم ليست للتبعيض لأنها لو كانت للتبعيض لنقص عن الأتباع بعض الأوزار ، وذلك غير جائز لقوله عليه الصلاة والسلام «لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» ، ولكنها للجنس أي ليحملوا من جنس أوزار الأتباع وقوله : بغير علم يعني أن الرؤساء إنما يقدمون على إضلال غيرهم ، بغير علم ، بما يستحقونه من العقاب ، على ذلك الإضلال بل يقدمون على ذلك جهلا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد. (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) يعني ألا بئس ما يحملون ففيه وعيد وتهديد. قوله سبحانه وتعالى (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني من قبل كفار قريش وهو نمروذ بن كنعان الجبار ، وكان أكبر ملوك الأرض في زمن إبراهيم صلىاللهعليهوسلم وكان من مكره أنه بنى صرحا ببابل ليصعد إلى السماء ، ويقاتل أهلها في زعمه. قال ابن عباس : وكان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع. وقال كعب ومقاتل : كان طوله فرسخين فهبت ريح فقصفته وألقت رأسه في البحر وخر عليهم الباقي فأهلكهم وهم تحته ولما سقط تبلبلت ألسنة الناس من الفزع فتكلموا يومئذ بثلاثة وسبعين لسانا ، فلذلك سميت بابل وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية قلت هكذا ذكره البغوي وفي هذا نظر لأن صالحا عليهالسلام كان قبلهم وكان يتكلم بالعربية ، وكان أهل اليمن عربا منهم جرهم الذي نشأ إسماعيل بينهم ، وتعلم منهم العربية وكانت قبائل من العرب قديمة قبل إبراهيم عليهالسلام ، مثل طسم وجديس وكل هؤلاء عرب تكلموا في قدم الزمان بالعربية ، ويدل على صحة هذا قوله : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى والله أعلم. وقيل : حمل قوله قد مكر الذين من قبلهم على العموم أولى فتكون الآية عامة في جميع الماكرين المبطلين الذين يحاولون إلحاق الضرر والمكر بالغير ، وقوله سبحانه وتعالى (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) يعني قصد تخريب بنيانهم من أصوله ، وذلك بأن أتاهم بريح قصفت بنيانهم من أعلى ، وأتاهم بزلازل قلعت بنيانهم من قواعده وأساسه ، هذا إذا حملنا تفسير الآية على القول الأول ، وهو ظاهر اللفظ وإن حملنا تفسير الآية على القول الثاني : وهو حملها على العموم كان المعنى أنهم لما رتبوا منصوبات ليمكروا بها على أنبياء الله وأهل الحق من عباده أهلكهم الله تعالى ، وجعل هلاكهم مثل هلاك بنوا بنيانا وثيقا شديدا ودعموه بالأساطين فانهدم ذلك البنيان ، وسقط عليهم فأهلكهم فهو مثل ضربه الله سبحانه وتعالى لمن مكر بآخر فأهلكه الله بمكره ، ومنه المثل السائر على ألسنة