الناس : من حفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيه. وقوله تعالى (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) يعني سقط عليهم السقف فأهلكهم وقوله : من فوقهم للتأكيد لأن السقف لا يخر إلا من فوقهم. وقيل : يحتمل أنهم لم يكونوا تحت السقف عند سقوطه ، فلما قال من فوقهم علم أنهم كانوا تحته ، وأنه لما خر عليهم أهلكوا وماتوا تحته (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يعني في مأمنهم ، وذلك أنهم لما اعتمدوا على قوة بنيانهم ، وشدته كان ذلك البنيان سبب هلاكهم (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) يعني يهينهم بالعذاب ، وفيه إشارة بأن العذاب يحصل لهم في الدنيا والآخرة لأن الخزي هو العذاب مع الهوان (وَيَقُولُ) يعني ويقول : الله لهم يوم القيامة (أَيْنَ شُرَكائِيَ) يعني في زعمكم واعتقادكم (الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) يعني كنتم تعادون وتخالفون المؤمنين وتخاصمونهم في شأنهم لأن المشاقة عبارة عن كون كل واحد من الخصمين في شق غير شق صاحبه ، والمعنى : ما لهم لا يحضرون معكم ليدفعوا عنكم ما نزل بكم من العذاب والهوان (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) يعني المؤمنين وقيل الملائكة (إِنَّ الْخِزْيَ) يعني الهوان (الْيَوْمَ) يعني في هذا اليوم وهو يوم القيامة (وَالسُّوءَ) يعني العذاب (عَلَى الْكافِرِينَ) وإنما يقول المؤمنون : هذا يوم القيامة لأن الكفار كانوا يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا ، وينكرون عليهم أحوالهم فإذا كان يوم القيامة ظهر أهل الحق ، وأكرموا بأنواع الكرامات وأهين أهل الباطل وعذبوا بأنواع العذاب فعند ذلك يقول المؤمنون : إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين وفائدة هذا القول إظهار الشماتة بهم فيكون أعظم في الهوان ، والخزي قوله تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) تقبض أرواحهم الملائكة ، وهم ملك الموت وأعوانه (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) يعني بالكفر (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) يعني أنهم استسلموا وانقادوا لأمر الله الذي نزل بهم وقالوا (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) يعني شركا وإنما قالوا : ذلك من شدة الخوف (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يعني فلا فائدة لكم في إنكاركم. قال عكرمة : عنى بذلك ما حصل من الكفار يوم بدر (فَادْخُلُوا) أي فيقال لهم ادخلوا (أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) يعني مقيمين فيها لا يخرجون منها. وإنما قال ذلك لهم ليكون أعظم في الغم والحزن ، وفيه دليل على أن الكفار بعضهم أشد عذابا من بعض (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) يعني عن الإيمان قوله عزوجل (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون إلى مكة أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلىاللهعليهوسلم فإذا جاء الوافد سأل الذين كانوا يقعدون على طرقات مكة من الكفار ، فيقولون : هو ساحر كاهن شاعر كذاب مجنون وإذا لم تلقه خير لك. فيقول الوافد : أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي من دون أن أدخل مكة فألقاه فيدخل مكة ، فيرى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيسألهم عنه فيخبرونه بصدقه ، وأمانته وأنه نبي مبعوث من الله عزوجل ، فذلك قوله سبحانه وتعالى : وقيل الذين اتقوا يعني اتقوا الشرك ، وقول الزور والكذب ماذا أنزل ربكم؟ قالوا : خيرا يعني أنزل خيرا فان قلت لم رفع الأول وهو قوله : أساطير الأولين ونصب الثاني ، وهو قوله قالوا خيرا قلت ليحصل الفرق بين الجوابين جواب المنكر الجاحد ، وجواب المقر المؤمن وذلك أنهم لما سألوا الكفار عن المنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأولين وليس هو من الإنزال في شيء لأنهم لم يعتقدوا كونه منزلا ، ولما سألوا المؤمنين على المنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم لم يتلعثموا ، وأطبقوا الجواب على السؤال بيّنا مكشوفا معقولا للإنزال فقالوا : خيرا أي أنزل خيرا ، وتم الكلام عند قوله خيرا فهو ، وقف تام ثم ابتدأ بقوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) يعني للذين أتوا بالأعمال الصالحة الحسنة ثوابها حسنة مضاعفة من الواحد إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة ، وقال الضحاك : هي النصر والفتح. وقال مجاهد : هي الرزق الحسن. فعلى هذا يكون معنى الآية للذين أحسنوا ثواب إحسانهم في هذه الدنيا حسنة ، وهي النصر والفتح والرزق الحسن ، وغير ذلك مما أنعم الله به على عباده في الدنيا ، ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) يعني ما لهم في الآخرة مما أعد الله لهم في الجنة خير مما يحصل لهم في الدنيا (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) يعني الجنة وقال الحسن : هي الدنيا لأن أهل التقوى