لأن مدار أمر الرسول على المعجزات الدالة على صدقه ، وهي بالبينات وعلى بيان الشرائع والتكاليف ، وهي المراد بالزبر يعني الكتب المنزلة على الرسل من الله عزوجل (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم يعني : وأنزلنا عليك يا محمد الذكر الذي هو القرآن وإنما سماه ذكرا لأن فيه مواعظ ، وتنبيها للغافلين (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) يعني ما أجمل إليك من أحكام القرآن ، وبيان الكتاب يطلب من السنة والمبين لذلك المجمل هو الرسول صلىاللهعليهوسلم ولهذا قال بعضهم : متى وقع تعارض بين القرآن والحديث وجب تقديم الحديث لأن القرآن مجمل ، والحديث مبين بدلالة هذه الآية والمبين مقدم على المجمل وقال بعضهم القرآن منه محكم ، ومنه متشابه فالمحكم يجب أن يكون مبينا والمتشابه هو المجمل ويطلب بيانه من السنة فقوله تعالى : لتبين للناس ما نزل إليهم محمول على ما أجمل فيه دون المحكم البين المفسر (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) يعني فيما أنزل إليهم فيعملوا به (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) فيه حذف تقديره المنكرات السيئات وهم كفار قريش مكروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وبأصحابه ، وبالغوا في أذيتهم والمكر عبارة عن السعي بالفساد على سبيل الإخفاء ، وقيل : المراد بهذا المكر اشتغالهم بعبادة غير الله فيكون مكرهم على أنفسهم والصحيح أن المراد بهذا المكر السعي في أذى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين. وقيل : المراد بالذين مكروا السيئات نمروذ ، ومن هو مثله والصحيح أن المراد بهم كفار مكة (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) يعني كما خسف بقرون من قبلهم (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يعني أن العذاب يأتيهم بغتة فيهلكهم فجأة كما أهلك قوم لوط وغيرهم (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) يعني في تصرفهم في الأسفار فإنه سبحانه وتعالى ، قادر على إهلاكهم في السفر كما هو قادر على إهلاكهم في الحضر ، وقال ابن عباس يأخذهم في اختلافهم. وقال ابن جريج : في إقبالهم وإدبارهم يعني أنه تعالى قادر على أن يأخذهم في ليلهم ونهارهم ، وفي جميع أحوالهم (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) يعني بسابقين الله أو يفوتونه بل هو قادر عليهم (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) قال ابن عباس ومجاهد : يعني على تنقص. قال ابن قتيبة : التخوف التنقص ومثله التخون. يقال تخوفه الدهر وتخونه إذا انتقصه وأخذ ماله وحشمه ، ويقال : هذه لغة هذيل فعلى هذا القول يكون المراد به أنه ينقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم وقيل هو على أصله من الخوف فيحتمل أنه سبحانه وتعالى لا يأخذهم بالعذاب أولا ، بل يخوفهم ثم يعذبهم بعد ذلك وقال الضحكاك والكلبي :
هو من الخوف يعني يهلك طائفة فيتخوف الآخرون أن يصيبهم مثل ما أصابهم ، فيحتمل أنه سبحانه وتعالى خوفهم بخسف يحصل في الأرض أو بعذاب ينزل من السماء ، أو بآفات تحدث دفعة أو بآفات ، تحدث قليلا قليلا إلى أن يأتي الهلاك على آخرهم ثم إنه سبحانه وتعالى ، ختم الآية بقوله (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) يعني أنه سبحانه وتعالى ، لا يعجل بالعقوبة والعذاب. قوله سبحانه وتعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا) قرئ بالتاء على خطاب الحاضرين وبالياء على الغيبة (إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) يعني من جسم قائم له ظل ، وهذه الرؤية لما كانت بمعنى النظر وصلت بإلى لأن المراد منها الاعتبار ، والاعتبار لا يكون إلا بنفس الرؤية ، التي يكون معها نظر إلى الشيء ليتأمل أحواله ، ويتفكر فيه فيعتبر به (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) يعني تميل وتدور من جانب إلى جانب فهي من أول النهار على حال ثم تقلص ثم تعود في آخر النهار إلى حالة أخرى ويقال للظل بالعشي فيء ، لأنه من فاء يفيء إذا رجع من المغرب إلى المشرق ، والفيء الرجوع قال الأزهري تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشي وما انصرفت عنه الشمس ، والظل يكون بالغداة ، وهو ما لم تنله الشمس وقوله ظلاله جمع ظل وإنما أضاف الظلال ، وهو جمع مفرد وهو قوله : من شيء لأنه يراد به الكثرة ومعناه الإضافة إلى ذوي الظلال (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) قال العلماء : إذا طلعت الشمس من المشرق وأنت متوجه إلى القبلة كان ظلك عن يمينك فإذا ارتفعت الشمس واستوت في وسط السماء كان ظلك خلفك فإذا مالت الشمس إلى الغروب كان ظلك عن يسارك. وقال الضحاك أما اليمين فأول النهار وأما الشمال فآخر النهار وإنما وحد اليمين وإن كان