يعني ويقولون : إن لهم البنين وذلك أنهم قالوا : لله البنات ولنا البنون ، وهذا القول كذب منهم وافتراء على الله. وقيل : أراد بالحسنى الجنة ، والمعنى أنهم مع كفرهم ، وقولهم الكذب يزعمون أنهم على الحق وأن لهم الجنة وذلك أنهم قالوا : إن كان محمد صادقا في البعث بعد الموت ، فإن لنا الجنة لأنّا على الحق فأكذبهم الله فقول (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) يعني في الآخرة لا الجنة (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) قرئ بكسر الراء مع التخفيف ، يعني مسرفون وقرئ بكسر الراء مع التشديد يعني مضيعون لأمر الله وقراءة الجمهور بفتح الراء مع تخفيفها أي منسيون في النار قاله ابن عباس وقال سعيد بن جبير ومقاتل : متروكون. وقال قتادة : معجلون إلى النار. وقال الفراء : مقدمون إلى النار والفرط ما تقدم إلى الماء قبل القوم. ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم «أنا فرطكم على الحوض» أي متقدمكم (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ) يعني كما أرسلناك إلى هذه الأمة لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ، فكان شأنهم مع رسلهم التكذيب ففيه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) يعني أعمالهم الخبيثة من الكفر والتكذيب ، والمزين في الحقيقة هو الله تعالى هذا مذهب أهل السنة ، وإنما جعل الشيطان آلة بإلقاء الوسوسة في قلوبهم ، وليس له قدرة أن يضل أحدا أو يهدي أحدا ، وإنما له الوسوسة فقط فمن أراد شقاوته سلطه عليه حتى يقبل وسوسته (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ) أي ناصرهم (الْيَوْمَ) ومن كان الشيطان وليه وناصره فهو مخذول مغلوب مقهور ، وإنما سماه وليا لهم لطاعتهم إياه (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) يعني في الآخرة (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) يعني في أمر الدين والأحكام فتبين لهم الهدى من الضلال ، والحق من الباطل والحلال من الحرام (وَهُدىً وَرَحْمَةً) يعني وما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا وهدى ورحمة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأنهم هم المنتفعون به قوله سبحانه وتعالى (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعني المطر (فَأَحْيا بِهِ) يعني بالماء (الْأَرْضَ) يعني بالنبات والزروع (بَعْدَ مَوْتِها) يعني يبسها وجدوبتها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) يعني دلالة واضحة على كمال قدرتنا (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) يعني سماع إنصاف وتدبر وتفكر ، لأن سماع القلوب هو النافع لا سماع الآذان فمن سمع آيات الله ، أي القرآن بقلبه وتدبرها وتفكر فيها انتفع ، ومن لم يسمع بقلبه لم ينتفع بالآيات (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) يعني إذا تفكرتم فيها عرفتم كمال قدرتنا على ذلك (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) الضمير عائد إلى الأنعام ، وكان حقه أن يقال مما في بطونها ، واختلف النحويون في الجواب ، فقيل : إن لفظ الأنعام مفرد وضع لإفادة الجمع فهو بحسب اللفظ مفرد فيكون ضميره ضمير الواحد ، وهو مذكر وبحسب المعنى جمع فيكون ضميره ضمير الجمع ، وهو مؤنث فلهذا المعنى. قال هنا مما في بطونه وقال في سورة المؤمنين : مما في بطونها. وهذا قول أبي عبيدة والأخفش وقال الكسائي : إنه رده إلى ما ذكر يعني مما في بطون ما ذكرنا ، وقال غيره الكناية مردودة إلى البعض وفيه إضمار كأنه قال : نسقيكم مما في بطونه اللبن فأضمر اللبن إذ ليس لكلها لبن (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ) وهو ما في الكرش من الثفل ، فإذا خرج منها لا يسمى فرثا (وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً) يعني من الدم والفرث ليس عليه لون الدم ولا رائحة الفرث. قال ابن عباس : إذا أكلت الدابة العلف ، واستقر في كرشها ، وطبخته كان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما فالكبد مسلطة عليه تقسمه بتقدير الله سبحانه وتعالى فيجري الدم في العروق واللبن في الضروع ويبقى الثفل كما هو (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) يعني هنيئا سهلا يجري في الحلق بسهولة. قيل : إنه لم يغص أحد باللبن قط. هذا قول المفسرين في معنى هذه الآية. وحكى الإمام فخر الدين الرازي قول الحكماء في ذلك ، فقال : ولقائل أن يقول الدم واللبن لا يتولدان في الكرش البتة ، والدليل على الحس فان هذه الحيوانات تذبح ذبحا متواليا ، وما رأى أحد في كرشها دما ولا لبنا بل الحق أن الحيوان إذا تناول الغذاء ، وصل ذلك العلف إلى معدته إن كان إنسانا وإلى كرشه إن كان من الأنعام ، وغيرها فإذا طبخ وحصل الهضم الأول فيه فما كان منه صافيا انجذب إلى الكبد ، وما كان كثيفا نزل إلى الأمعاء ، ثم ذلك الذي حصل في الكبد ينطبخ فيها ويصير دما وهو الهضم الثاني ، ويكون ذلك مخلوطا بالصفراء والسوداء وزيادة المائية فأما الصفراء فتذهب إلى المرارة وأما