بَأْسَكُمْ) يعني الدروع والجواشن وسائر ما يلبس في الحرب من السلاح ، والبأس الحرب يعني تقيكم في بأسكم السلاح أن يصيبكم. قال عطاء الخراساني : إنما نزل القرآن على قدر معرفتهم فقال تعالى وجعل لكم من الجبال أكنانا ، وما جعل لهم من السهول أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب جبال كما قال ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها وما جعل لهم من القطن والكتان أكثر ، ولكن كانوا أصحاب صوف ووبر وشعر ، وكما قال تعالى (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) وما أنزل من الثلج أكثر ، ولكنهم كانوا لا يعرفون الثلج وقال تقيكم الحر وما جعل لهم مما يقي من البرد أكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر. وقوله سبحانه وتعالى (كَذلِكَ) يعني كما أنعم عليكم بهذه النعم (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) يعني نعم الدنيا والدين (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) يعني لعلكم يا أهل مكة تخلصون لله الوحدانية والربوبية والعبادة والطاعة وتعلمون ، أنه لا يقدر على هذه الإنعامات إلا الله تعالى (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يعني فإن أعرضوا عن الإيمان بك وتصديقك يا محمد وآثروا ما هم فيه من الكفر واللذات الدنيوية ، فإنما وبال ذلك عليهم لا عليك (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) يعني ليس عليك في ذلك عتب ، ولا سمة تقصير إنما عليك البلاغ ، وقد فعلت ذلك ثم ذمهم الله تعالى بقوله (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) قال السدي : نعمة الله يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم أنكروه وكذبوه. وقيل : نعمة الله هي الإسلام لأنه من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده ، ثم إن كفار مكة أنكروه وجحدوه ، وقال مجاهد وقتادة : نعمة الله ما عدد عليهم في هذه السورة من النعم يقرون بأنها من الله ، ثم إذا قيل لهم : صدقوا وامتثلوا أمر الله فيها ينكرونها ويقولون ورثناها عن آبائنا. وقال الكلبي : إنه لما ذكر هذه النعم قالوا : هذه نعم كلها من الله تعالى لكنها بشفاعة آلهتنا وقيل هو قول الرجل لو لا فلان لكان كذا ولو لا فلان لما كان كذا وقيل إنهم يعترفون بأن الله أنعم بهذه النعم ، ولكنهم لا يستعملونها في طلب رضوانه ولا يشكرونه عليها (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) إنما قال الله سبحانه وتعالى أكثرهم الكافرون مع أنهم كانوا كلهم كافرين ، لأنه كان فيهم من لم يبلغ بعد حد التكليف فعبر بالأكثر عن البالغين ، وقيل : أراد بالأكثر الكافرين الحاضرين المعاندين ، وقد كان فيهم من ليس بمعاند وإن كان كافرا وقيل إنه عبر بالأكثر عن الكل لأنه قد يذكر الأكثر ، ويراد به الجمع قوله سبحانه وتعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) لما ذكر الله سبحانه وتعالى نعمه على الكافرين وإنكارهم لها ، وذكر أن أكثرهم كافرون ، أتبعه بذكر الوعيد لهم في الآخرة فقال تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) يعني رسولا وذلك اليوم ، هو يوم القيامة والمراد بالشهداء : الأنبياء يشهدون على أممهم بإنكار نعم الله عليهم وبالكفر (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يعني في الاعتذار وقيل لا يؤذن لهم في الكلام أصلا. وقيل : لا يؤذن لهم بالرجوع إلى دار الدنيا فيعتذروا ويتوبوا وقيل : لا يؤذن لهم في معارضة الشهود بل يشهدون عليهم ويقرونهم على ذلك (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) الاستعتاب : طلب العتاب ، والمعتبة : هي الغلظة والموجدة التي يجدها الإنسان في نفسه على غيره ، والرجل إنما يطلب العتاب من خصمه ليزيل ما في نفسه عليه من الموجدة والغضب ، ويرجع إلى الرضا عنه وإذا لم يطلب العتاب منه دل ذلك على أنه ثابت على غضبه عليه ، ومعنى الآية : أنهم لا يكلفون أن يرضوا ربهم في ذلك اليوم ، لأن الآخرة ليست دار غضبه عليه ، ومعنى الآية أنهم لا يكلفون أن يرضوا ربهم في ذلك اليوم لأن الآخرة ليست دار تكليف ولا يرجعون إلى الدنيا فيتوبوا ويرجعوا يرضوا ربهم فالاستعتاب : التعرض لطلب الرضا ، وهذا باب مسند على الكفار في الآخرة (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعني ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي (الْعَذابَ) يعني عذاب جهنم (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) يعني العذاب (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يعني لا يؤخرون ولا يمهلون (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا) يعني يوم القيامة (شُرَكاءَهُمْ) يعني أصنامهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا (قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) يعني أربابا وكنا نعبدهم ونتخذهم آلهة (فَأَلْقَوْا) يعني الأصنام (إِلَيْهِمُ) يعني إلى عابديها (الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) يعني أن الأصنام قالت للكفار : إنكم لكاذبون يعني في تسميتنا آلهة وما دعوناكم إلى عبادتنا. فإن