وليكفّر عن يمينه» فيكون قوله وأوفوا بعهد الله من العام الذي خصصته السنة. وقال مجاهد وقتادة : نزلت في حلف أهل الجاهلية ، ويشهد لهذا التأويل قوله صلىاللهعليهوسلم «كل حلف كان في الجاهلية ، لم يزده الإسلام إلا شدة» (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) يعني تشديدها فتحنثوا فيها وفيه دليل على أن المراد بالعهد غير اليمين لأنه أعم منها (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) يعني شهيدا بالوفاء بالعهد (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) يعني من وفاء العهد ونقضه ثم ضرب الله سبحانه وتعالى مثلا لنقض العهد فقال تعالى (وَلا تَكُونُوا) يعني في نقض العهد (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) يعني من بعد إبرامه وإحكامه. قال الكلبي ومقاتل : هذه امرأة من قريش يقال لها ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب بن زيد مناة بن تميم وكانت خرقاء حمقاء بها وسوسة ، وكانت قد اتخذت مغزلا قدر ذراع وصنارة مثل الإصبع وفلكة عظيمة على قدرها ، وكانت تغزل الغزل من الصوف ، أو الشعر أو الوبر وتأمر جواريها بالغزل فكن يغزلن من الغداة إلى نصف النهار ، فإذا انتصف النهار أمرتهن بنقض جميع ما غزلن ، فكان هذا دأبها. والمعنى : أن هذه المرأة ، لم تكف عن العمل ولا حين عملت كفت عن النقض فكذلك من نقض العهد لا تركه ولا حين عاهد وفي به (أَنْكاثاً) جمع نكث وهو ما ينقض من الغزل أو الحبل بعد الفتل (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) يعني دغلا وخيانة وخديعة ، والدخل ما يدخل في الشيء على سبيل الفساد ، وقيل : الدخل والدغل أن يظهر الرجل الوفاء بالعهد ويبطن نقضه (أَنْ تَكُونَ) يعني لأن تكون (أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) يعني أكثر وأعلى من أمة. قال مجاهد : وذلك أنهم كانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا قوما أكثر من أولئك وأعز نقضوا حلف هؤلاء ، وحالفوا الأكثر. والمعنى : أنكم طلبتم العز بنقض العهد لأن كانت أمة أي جماعة أكثر من جماعة فنهاهم الله عن ذلك ، وأمرهم بالوفاء بالعهد لمن عاهدوا وحالفوا ، (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) يعني يختبركم بما أمركم به من الوفاء بالعهد وهو أعلم بكم (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) يعني في الدنيا فيثيب الطائع المحق ، ويعاقب المسيء الخالف قوله سبحانه وتعالى (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) يعني على ملة واحدة ودين واحد ، وهو دين الإسلام (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) يعني بخذلانه إياه عدلا منه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بتوفيقه إياه فضلا منه وذلك مما اقتضته الحكمة الإلهية لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون ، وهو قوله تعالى (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يعني في الدنيا فيجازى المحسن بإحسانه ، ويعاقب المسيء بإساءته أو يغفر له. قوله عزوجل (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) يعني خديعة وفسادا بينكم فتغروا بها الناس فيسكنوا إلى أيمانكم ، ويأمنوا إليكم ثم تنقضونها. وإنما كرر هذا المعنى تأكيدا عليهم وإظهارا لعظم أمر نقض العهد. قال المفسرون : وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الإسلام نهاهم عن نقض عهده ، لأن الوعيد الذي بعده وهو قوله سبحانه وتعالى : فنزل قدم بعد ثبوتها لا يليق بنقض عهد غيره ، إنما يليق بنقض عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الإيمان به وبشريعته وقوله (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) مثل يذكر لكل من وقع في بلاء ومحنة بعد عافية ونعمة أو سقط في ورطة بعد سلامة. تقول العرب لكل واقع في بلاء بعد عافية : زلت قدمه ، والمعنى : فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام ، بعد ثبوتها عليها (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) يعني العذاب (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعني بسبب صدكم غيركم عن دين الله وذلك لأن من نقض العهد ، فقد علّم غيره نقض العهد فيكون هو أقدمه على ذلك (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) يعني بنقضكم العهد (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يعني ولا تنقضوا عهودكم وتطلبوا بنقضها عوضا من الدنيا قليلا ، ولكن أوفوا بها (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) يعني فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بالعهد (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) يعني من عاجل الدنيا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يعني فضل ما بين العوضين ثم بين ذلك فقال تبارك وتعالى (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) يعني من متاع الدنيا ، ولذاتها يفنى ويذهب (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) يعني من ثواب الآخرة ونعيم الجنة (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا) يعني على الوفاء بالعهد على السراء والضراء (أَجْرَهُمْ) يعني ثواب صبرهم (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من أحب دنياه أضر