سورة الجاثية
وتسمى سورة الشريعة مكية وهي سبع وثلاثون آية وأربعمائة وثمان وثمانون كلمة وألفان ومائة وأحد وتسعون حرفا
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤))
قوله عزوجل : (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي إن في خلق السموات والأرض وهما خلقان عظيمان يدلان على قدرة القادر المختار وهو قوله (لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ) أي وخلق أنفسكم من تراب ثم من نطفة إلى أن يصير إنسانا ذا عقل وتمييز (وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) أي وما يفرق في الأرض من جميع الحيوانات على اختلاف أجناسها في الخلق والشكل والصورة (آياتٌ) دلالات تدل على وحدانية من خلقها وأنه الإله القادر المختار (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) يعني أنه لا إله غيره.
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١))
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) يعني بالظلام والضياء والطول والقصر (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) يعني المطر الذي هو سبب أرزاق العباد (فَأَحْيا بِهِ) أي بالمطر (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي بعد يبسها (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) أي في مهابها فمنها الصبا والدبور والشمال والجنوب ومنها الحارة والباردة وغير ذلك (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
فإن قلت ما وجه هذا الترتيب في قوله (لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) و (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) و (يَعْقِلُونَ).
قلت معناه إن المنصفين من العباد إذا نظروا في هذه الدلائل النظر الصحيح علموا أنها مصنوعة وأنه لا بد لها من صانع فآمنوا به وأقروا أنه الإله القادر على كل شيء ثم إذا أمعنوا النظر ازدادوا إيقانا وزال عنهم اللبس فحينئذ استحكم علمهم وعدوا في زمرة العقلاء الذين عقلوا عن الله مراده في أسرار كتابه (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها