سورة القدر
وهي مدنية وقيل إنها مكية والقول الأول أصح ، وهو قول الأكثرين ، قيل إنها أول ما نزل بالمدينة وهي خمس آيات وثلاثون كلمة ومائة واثنا عشر حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢))
قوله عزوجل : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يعني القرآن كناية عن غير مذكور (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وذلك أن الله تعالى أنزل القرآن العظيم جملة واحدة من اللّوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا ليلة القدر فوضعه في بيت العزة ، ثم نزل به جبريل عليهالسلام على النبي صلىاللهعليهوسلم نجوما متفرقة في مدة ثلاث وعشرين سنة ، فكان ينزل بحسب الوقائع ، والحاجة إليه ، وقيل إنما أنزله إلى السّماء الدّنيا لشرف الملائكة بذلك ولأنها كالمشترك بيننا وبين الملائكة ، فهي لهم سكن ولنا سقف وزينة وسميت ليلة القدر لأن فيها تقدير الأمور ، والأحكام ، والأرزاق ، والآجال ، وما يكون في تلك السنة إلى مثل هذه اللّيلة من السّنة المقبلة يقدر الله ذلك في بلاده وعباده ، ومعنى هذا أن الله يظهر ذلك لملائكته ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم بأن يكتب لهم ما قدره في تلك السنة ويعرفهم إيّاه ، وليس المراد منه أن يحدثه في تلك اللّيلة لأن الله تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السّموات والأرض في الأزل ، قيل للحسين بن الفضل أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السّموات والأرض قال : نعم قيل له فما معنى ليلة القدر قال سوق المقادير إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدر ، وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها على اللّيالي من قولهم لفلان قدر عند الأمير ، أي منزلة وجاه ، وقيل سميت بذلك لأن العمل الصّالح يكون فيها ذا قدر عند الله لكونه مقبولا ، وقيل سميت بذلك لأن الأرض تضيق بالملائكة فيها.
(فصل في فضل ليلة القدر وما ورد فيها)
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» ، واختلف العلماء في وقتها فقال بعضهم إنها كانت على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم رفعت لقوله صلىاللهعليهوسلم حين تلاحى الرجلان «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم» وهذا غلط ممن قال بهذا القول لأن آخر الحديث يرد عليهم فإنه صلىاللهعليهوسلم قال في آخره «فالتمسوها في العشر الأواخر في التاسعة والسابعة والخامسة» ، فلو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها وعامة الصّحابة والعلماء فمن بعدهم على أنها باقية إلى يوم القيامة ، روي عن عبد الله بن خنيس مولى معاوية قال قلت لأبي هريرة زعموا أن ليلة القدر رفعت قال كذب من قال ذلك قلت هي في كل شهر رمضان استقبله قال نعم.
ومن قال ببقائها ووجودها اختلفوا في محلها ، فقيل هي منتقلة تكون في سنة في ليلة وفي سنة أخرى في