سورة الزمر
نزلت بمكة إلا قوله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) وقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) وقيل (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) عوضا عن قوله (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) وقيل فيها ثلاث آيات مدنيات من قوله : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) إلى قوله : (لا تَشْعُرُونَ) وهي اثنتان وقيل خمس وسبعون آية وألف ومائة واثنتان وسبعون كلمة وأربعة آلاف وتسعمائة وثمانية أحرف.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤))
قوله عزوجل : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) أي هذا الكتاب وهو القرآن تنزيل (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي لا من غيره (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) أي لم ننزله باطلا لغير شيء (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي الطاعة (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) أي شهادة أن لا إله إلا الله ، وقيل لا يستحق الدين الخالص إلا الله وقيل يعني الخالص من الشرك وما سوى الخالص ليس بدين الله الذي أمر به لأن رأس العبادات الإخلاص في التوحيد واتباع الأوامر واجتناب النواهي (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) أي من دون الله (أَوْلِياءَ) يعني الأصنام (ما نَعْبُدُهُمْ) أي قالوا ما نعبدهم (إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) يعني قربة وذلك أنهم كانوا إذا قيل لهم من خلقكم وخلق السموات والأرض ومن ربكم قالوا الله فقيل لهم فما معنى عبادتكم الأصنام فقالوا ليقربونا إلى الله زلفى وتشفع لنا عنده (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي من أمر الدين (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أي لا يرشد لدينه (مَنْ هُوَ كاذِبٌ) أي من قال إن الآلهة تشفع له (كَفَّارٌ) أي باتخاذه الآلهة دون الله تعالى (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى) أي لاختار (مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يعني الملائكة ثم نزه نفسه فقال تعالى : (سُبْحانَهُ) أي تنزيها له عن ذلك وعما لا يليق بطهارة قلبه (هُوَ اللهُ الْواحِدُ) أي في ملكه الذي لا شريك له ولا ولد (الْقَهَّارُ) أي الغالب الكامل القدرة.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ