فقال العرب : الماء والحرارة من الأضداد ، فالماء يطفئ الحرارة ، والحرارة تبخر الماء فكيف للأضداد أن تتعايش مع بعضها البعض دون أن يلغى أحدها الآخر فيكون البحر مسجورا؟!! لم يستطع بدو الجزيرة العربية من قبل ألف وأربعمائة سنة أن يستوعبوا تلك القضية.
فقالوا : نبحث عن معنى لسجر غير أوقد على الشيء حتى أحماه ، فوجدوا من معانى سجر «ملأ وكفّ» ، فقالوا : إن المعنى فى القسم القرآنى (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) مؤداة أن الله تعالى يمن علينا بأنه ملأ منخفضات الأرض بالماء ، وحجز هذا الماء عن اليابسة ؛ لأن هذا الماء كان من الممكن أن يطغى على اليابسة أكثر من حدود البحار والمحيطات الحالية وذلك لأن هناك كمية هائلة من الماء العذب محجوزة فوق قطبى الأرض وعلى قمم الجبال على هيئة كتل هائلة من الجليد ، سمك الجليد فى القطب الجنوبى يصل إلى أربعة كيلومترات ، وفى القطب الشمالى إلى أكثر من ثلاثة كيلومترات وثمانمائة من الأمتار ، ويقدر العلماء أن هذا الجليد لو انصهر فإنه يؤدى إلى رفع منسوب المياه فى البحار والمحيطات إلى أكثر من مائة متر ، ولكم أن تتخيلوا إذا أصبحنا بين يوم وليلة فوجدنا أن منسوب مياه البحار والمحيطات قد ارتفع بمقدار مائة متر! ستغرق الدنيا حقا.
فقالوا : إن من معانى هذا القسم : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أن الله ـ تعالى ـ يمن علينا بأنه ملأ المنخفضات على الأرض بالماء وحجز هذا الماء عن مزيد من الطغيان على اليابسة. وهو صحيح لأن جليد القطبين وجليد قمم الجبال إذا انصهر فإنه يؤدى حتما إلى إغراق الأرض ، وليس هذا من قبيل الخيال العلمى ؛ لأن الأرض قد مرت بها فترات كانت البحار فيها أكثر غمرا لليابسة من حدود شواطئها الحالية ، كما مرت بها فترات كانت أشد انحسارا عن حدودها الحالية ، والضابط فى الحالتين هو كم الجليد فوق قطبى الأرض وعلى قمم الجبال ، فإذا زاد كم الجليد انخفض منسوب المياه فى البحار والمحيطات ، وإذا نقص ارتفع