ولكن بعد غوص الإنسان إلى أعماق البحار والمحيطات ، وجد أن كلا من محيطات الأرض وعددا من بحارها يتسع قاعه ، بفعل التحرك بعيدا عن شبكة الصدوع الأرضية ، بفعل ما يندفع عبرها من ملايين الأطنان من حمم وطفوح بركانية فى درجات حرارة تتعدى الألف درجة مئوية ، مما يجعل قيعانها مسجرة فعلا بدرجات حرارة عالية ، وهى ظاهرة من أعظم الظواهر الأرضية وأشدها غرابة ، ولم تعرف تلك الظاهرة بأبعادها الدقيقة إلا فى أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي :
٥ ـ يقول الحق (تبارك وتعالى) فى محكم كتابه :
(وَالْجِبالَ أَوْتاداً) (٧) (النبأ : ٧).
يصف القرآن الكريم الجبال فى تسع وثلاثين آية صريحة ، منها هذه الآية الكريمة التى تصف الجبال بالأوتاد ، وكما أن الوتد أغلبه مدفون فى الأرض ، وأقله ظاهر على السطح ، ووظيفته التثبيت ؛ فقد اكتشف علماء الأرض مؤخرا أن هكذا الجبال ، فكل نتوء فوق سطح الأرض له امتداد فى داخلها يتراوح طوله بين ١٠ إلى ١٥ ضعف ارتفاعه فوق مستوى سطح البحر ، فكلما كان الارتفاع فوق سطح الأرض كبيرا تضاعف الجزء الغائر فى الأرض امتدادا إلى داخلها ؛ ليخترق الغلاف الصخرى للأرض بالكامل ، ويطفو فى نطاق الضعف الأرضي ، وهو نطاق شبه منصهر ، المادة فيه لدنة ، عالية الكثافة ، عالية اللزوجة ، تطفو فيها أوتاد الجبال كما تطفو جبال الجليد فى مياه المحيطات ، تحكمها فى ذلك قوانين الطفو ، فكلما برت عوامل التعرية قمم الجبال ، ارتفعت تلك الجبال إلى أعلى حتى تخرج امتداداتها الداخلية من نطاق الضعف الأرضى بالكامل ، وحينئذ تتوقف الجبال عن الحركة حتى يتم بريها ، فيظهر فى أعماقها من الثروات الأرضية ما لا يمكن أن يتكون إلا تحت مثل تلك الظروف الاستثنائية من الضغط والحرارة ، التى سادت فى أعماق الجبال.