وقد أوضحنا أن القرآن أعظم المعجزات التي جاء بها الأنبياء ، وقد تحدّى به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جميع الأمم لإثبات نبوته ما دامت الليالي والأيام. وهذا يدلنا أيضا على أن الآيات الممنوعة قسم خاص وليست مطلق الآيات.
الثالث : أن الآية الكريمة صرّحت بأن السبب المانع عن الإرسال بالآيات هو تكذيب الأولين بها ، وهذا من قبيل تعليل عدم الشيء بوجود مانعه. ومن البيّن أن التعليل بوجود المانع لا يحسن في نظر العقل إلا إذا كان السبب المقتضي لوجود ذلك الشيء موجودا ، ولذلك يقبح عند العقلاء أن يعلل عدم احتراق الخشبة ـ مثلا ـ بوجود الرطوبة عليها إذا كانت النار غير موجودة ، وذلك واضح لا يقبل الشك. وإذن فلا بد وأن يكون المقتضي للإرسال بالآيات موجودا ، ليصح تعليل عدمه بوجود التكذيب ، والمقتضي للإرسال لا يخلو من أن يكون هي الحكمة الإلهية لإرشاد العباد وهدايتهم إلى سعادتهم. وأن يكون اقتراح الأمّة على النبي شيئا من الآيات زائدا على المقدار اللازم من الآيات لإتمام الحجة. أما إذا كان المقتضي للإرسال بالآيات هي الحكمة الإلهية ، فلا بد من إرسال هذه الآيات ، ويستحيل أن يمنع من تأثير الحكمة الإلهية ، شىء لأنه يستحيل على الحكيم أن يختار في عمله ما تنافيه حكمته ، سواء في ذلك وجود التكذيب وعدمه.
على أن تكذيب الأمم السابقة لو صلح أن يكون مانعا عن تأثير الحكمة الإلهية في الإرسال بالآيات ، لصلح أن يكون مانعا عن إرسال الرسول. وهذا باطل بالضرورة. وخلاف للمفروض أيضا. فتعين أن يكون المقتضي للإرسال بالآيات هو اقتراح المقترحين. ومن الضروري أن المقترحين إنما يقترحون أمورا زائدة على الآيات التي تتم بها الحجة ، فإن هذا المقدار من الآيات مما يلزم على الله أن يرسل به لإثبات نبوّة نبيّه ، وما زاد على هذا المقدار من الآيات لا يجب على الله أن يرسل به