ابتداء ، ولا يجب عليه أن يجيب اليه إذا اقترحه المقترحون. نعم لا يستحيل عليه ذلك إذا اقتضت المصلحة أن يقيم الحجة مرة ثانية وثالثة ، أو أن يجيب المقترحين إلى ما طلبوا.
وعلى هذا فاقتراح المقترحين إنما يكون بعد إتمام الحجة عليهم بما يلزم من الآيات ، وتكذيبهم إياها. وإنما كان تكذيب الأمم السابقة مانعا عن الإرسال بالآيات المقترحة في هذه الامّة ، لأن تكذيب الآيات المقترحة يوجب نزول العذاب على المكذّبين.
وقد ضمن الله تعالى رفع العذاب الدنيوي عن هذه الأمة إكراما لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وتعظيما لشأنه. فقد قال الله تعالى :
(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) «٨ : ٣٣».
أما أن تكذيب الآيات المقترحة يوجب نزول العذاب على المكذّبين فلأن الآية الإلهية إذا كانت مبتدأة كانت متمحضة في إثبات نبوة النبي ، ولم يترتب على تكذيبها أكثر مما يترتب على تكذيب النبي من العقاب الأخروي.
وأما إذا كانت مقترحة كانت كاشفة عن لجاجة المقترح ، وشدة عناده ، إذ لو كان طالبا للحق لصدّق بالآية الاولى لأنها كافية في إثباته ، ولأن معنى اقتراحه هذا أنه قد التزم على نفسه بتصديق النبي إذا أجابه إلى هذا الاقتراح ، فإذا كذّب الآية المقترحة بعد صدورها كان مستهزئا بالنبي وبالحق الذي دعا اليه ، وبالآية التي طلبها منه ، ولذلك سمى الله تعالى هذا النوع من الآيات «آيات التخويف» كما في آخر هذه الآية الكريمة ، وإلا فلا معنى لحصر مطلق الآيات بالتخويف ، فإن منها ما يكون للرحمة بالعباد وهدايتهم وإنارة سبيلهم.