وقد تفصي عن الاشكال بوجهين آخرين :
______________________________________________________
ما هو مقدمة وله الاثر المتوقف عليه ذو المقدمة ، فيلازم قصد امرها الغيري قصد ما هو عبادة بذاته وحقيقته ، فليست هذه العبادة ناشئة من نفس قصد امرها الغيري بل حيث ان الامر الغيري يدعو إلى اتيانها بذاتها وقصدها معناه انه قصد عباديتها فالاكتفاء بقصد الامر الغيري لانه يلازمه قصد ما هو عبادة ، لأن المقصود الذي هو المقدمة هو عبادة ، فلذا اكتفى المشهور بقصد أمرها الغيري في عباديتها ، وهذا مراده من قوله : «لأجل انه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه» : أي ان الاكتفاء بقصد الامر الغيري في عباديتها لأجل انه يدعو إلى ذاتها وما هو كذلك : أي وما هو عبادة في نفسه «حيث انه» الامر الغيري «لا يدعو إلا إلى ما هو المقدمة» ولعل قوله «فافهم» يشير إلى ان قصد الامر لا ينبغي الاكتفاء به ، فانه وان كان يدعو إلى ما هو عبادة في نفسه الذي بعباديته يكون مقدمة إلّا انه حيث ان هذه الطهارات ليست عبادة بذاتها والامر الغيري ليس فيه اقتضاء العبادة ولا امر فيها آخر غير الامر الغيري حتى تكون قصده موجبا لعباديتها.
نعم ، لو كانت عبادة بذاتها أو امكن ان يجتمع مع الامر الغيري الامر النفسي المتعلق بها لصح الاكتفاء بقصد امرها الغيري لما يلازمه من قصد عباديتها ، فلا بد ان نلتجئ إلى انه بقصد اتيانها بداعي امرها الغيري يتضمن رجحانها الذي في ضمنه فلذا يكتفى به.
فمحصل الجواب عن الاشكالين في الطهارات الثلاث : ان مقربيتها وثوابها وعباديتها انما هو لأنها بنفسها مستحبات نفسية وبما هي مستحبات نفسية وراجحة محبوبة وقعت مقدمة ومطلوبة بالامر الغيري ، فلا دخالة للامر الغيري لا في الثواب عليها ولا في عباديتها بل ثوابها وعباديتها لاستحبابها النفسي ، وقد تفصى في التقريرات عن الاشكالين بوجهين غير ما ذكره المصنف : من كونها بنفسها مستحبات قد أشار اليها في المتن.