نعم العلة التامة لاحد الضدين ، ربما تكون مانعة عن الآخر ، ومزاحمة لمقتضيه في تأثيره ، مثلا تكون شدة الشفقة على الولد الغريق وكثرة المحبة له ، تمنع عن أن يؤثر ما في الاخ الغريق من المحبة والشفقة ، لارادة إنقاذه مع المزاحمة فينقذ الولد دونه ، فتأمل جيدا (١).
______________________________________________________
(١) لما بيّن احد الضدين لا يعقل ان يكون هو المانع الذي يكون عدمه من أجزاء علة الضد الآخر ، وحيث ان وجود كل ممكن في عالم الكون والفساد يحتاج إلى مقتض وشرط وعدم المانع. بقي عليه ان يبيّن المانع الذي عدمه مما يتوقف عليه وجود الضد ، فأشار إلى هذا بقوله : «والمانع» إلى آخره ، وحاصله : ان المانع الذي عدمه مما يتوقف عليه وجود الضد هو العلة لا نفس الضد الآخر.
وبعبارة اخرى : ان المانع الحقيقي لوجود الضد هو الذي يزاحم سببه ومقتضيه الذي يقتضي وجوده ، والمزاحم انما هو علة الضد الآخر لا نفس الضد الآخر ، فعلتا الضدين هما المتمانعان والمتغلب من العلتين هو المانع بالفعل الذي يكون عدمه مما يتوقف عليه تأثير الآخر وايجاده للضد الآخر لا نفس الضدين ، والى هذا أشار بقوله : «والمانع الذي يكون موقوفا عليه الوجود» : أي المانع الذي يتوقف على عدمه الوجود للضد الآخر «هو ما كان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره».
فالمانع هو المزاحم في التأثير وهو العلة لا ما يعاند الشيء ويزاحمه في وجوده» وهو نفس الضد الذي يعاند بوجوده وجود الضد وليس هو المزاحم لمقتضي الضد في تأثيره ، وانما المزاحم له هي العلة للضد دون المعلول الذي هو نفس الضد ، ولذا قال : «نعم العلة التامة لأحد الضدين ربما تكون مانعة عن الآخر» : أي عن وجود الضد الآخر ومزاحمة لمقتضيه في تأثيره» ولعل وجه تعبيره بربما لبيان المانع الذي يستند عدم وجود الضد اليه لا إلى عدم المقتضي وهو العلة التامة لوجود الضد المجتمعة مع المقتضي وساير الشرائط لوجود الضد الآخر ويشعر بما احتملناه مثاله الذي انكره وهو الشفقة على الولد الموجبة لارادة انقاذه المجتمعة مع الشفقة على الاخ التي