الامر الثالث : إنه قيل بدلالة الامر بالشيء بالتضمن على النهي عن الضد العام ، بمعنى الترك ، حيث أنه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع عن الترك. والتحقيق أنه لا يكون الوجوب إلا طلبا بسيطا ، ومرتبة وحيدة أكيدة من الطلب ، لا مركبا من طلبين ، نعم في مقام تحديد تلك المرتبة وتعيينها ، ربما يقال : الوجوب يكون عبارة من طلب الفعل مع المنع عن الترك ، ويتخيل منه أنه يذكر له حدا ، فالمنع عن
______________________________________________________
فاجاب : بان عدم خلو الواقعة عن الحكم انما هو بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، لأن الشيء إمّا فيه ملاك الرجحان في جانب الوجود فهو اما واجب أو مستحب ، أو فيه ملاك الرجحان من جانب العدم فهو اما حرام أو مكروه ، أو لم يكن فيه الملاكان وهو تارة فيه ملاك الترخيص فهو المباح اباحة اقتضائية ، واخرى لا يكون فيه فهو المباح باباحة لا اقتضائية.
وعلى كل فالمراد بعدم خلو الواقعة عن الحكم هو عدم خلوها عن الحكم الواقعي ، واما خلوها عن الحكم الفعلي لمانع يمنع عن فعلية الحكم الواقعي فلا مانع منه كما في الضد الملازم لعدم الضد الواجب ، فإن عدم الضد الواجب حرام ولكن الضد الملازم لهذا العدم الحرام لا حكم له فعلي وليس بحرام وهو باق على ما فيه من الملاك للحكم الواقعي ، وكما انه لأجل المانع وهو ملازمته للحرام لم يكن حكمه الواقعي فعليا فلا حكم فعلى له كذلك ليس فيه مقتضى الحرمة فلا حرمة فيه أيضا ، ولذا قال : «فلا حرمة للضد من هذه الجهة أيضا».
وقد أشار إلى انه باق على ما هو عليه من الملاك لحكمه الواقعي الذي منع عن فعليته ملازمته للعدم الحرام لانه ضد لما هو الواجب بقوله : «بل على ما هو عليه» إلى آخر كلامه. وقوله : «من الحكم الواقعي» من متعلقات بل على ما هو عليه ، وتقدير العبارة : بل هو على ما هو عليه من الحكم الواقعي لو لا الابتلاء بالمضادة للواجب الفعلي.