قصد القربة فيه لو كان مامورا به ، فلا يكاد يقدر عليه إلا إذا قيل باجتماع الامر والنهي في شيء ولو بعنوان واحد ، وهو محال ، وقد عرفت أن النهي في هذا القسم إنما يكون نهيا عن العبادة ، بمعنى أنه لو كان مأمورا به ، كان الامر به أمر عبادة لا يسقط إلا بقصد القربة (١) ،
______________________________________________________
(١) وحاصل الجواب ان العبادة على ثلاثة أقسام : عبادة ذاتية ، وعبادة غير ذاتية.
والعبادة غير الذاتية تارة تكون بمعنى ما لو تعلق بها الأمر لكان أمرها عباديا لا يسقط إلّا بقصد امتثال الامر المتعلق بها.
واخرى تكون هي العبادة بما هي متعلقة للأمر وهي العبادة بالفعل.
ولا يخفى : ان هذا القسم الاخير لا يعقل ان يكون متعلقا للنهي لعدم امكان ان ينهى المولى عن شيء واحد بعنوانه الخاص به بما انه متعلق لأمره ، لمحالية ان ينهى المولى عن ايجاد ما طلب ايجاده وهو من اجتماع الضدين بنحو واضح ، فلا بد وان يكون خارجا عن عنوان هذه المسألة من رأس ، فلا يتعلق به نهى حتى يدعى انه يستلزم تعلق النهي به صحته ووقوعه قريبا لاشتراط القدرة في متعلق النهي.
وأما النحو الأول وهو العبادة الذاتية فالقدرة عليها موجودة وان تعلق بها النهي ، لان عباديتها منوطة بقصد عنوانها كتعظيم المولى وتقديسه فلا يستلزم النهي فيها وقوعها صحيحة لاشتراط القدرة واستلزامها ذلك لأنها مقدور عليها بما هي عبادة ، وان كانت منهيا عنها ومبغوضة فلا يكون النهي فيها دالا على الصحة ، والى هذا أشار بقوله : ((فما كان منها عبادة ذاتية ... الى آخر الجملة)).
وأما القسم الثاني وهو العبادة التعليقية فالقدرة عليها موجودة وان كانت غير صحيحة لوضوح ان متعلق النهي ليس العبادة بما هي عبادة بالفعل ، بل بما هي عبادة تعليقا وهي بما هي كذلك مقدورة للمكلف فلا تستلزم القدرة عليها صحتها ، بل قد عرفت ان النهي عنها وعن القسم الأول يقتضي فسادها لمنافاة المبغوضية لكونها مقربة بالفعل ، ووقوعها صحيحة لا بد فيه من وقوعها مقربة بالفعل.