ثانيتها : إنه لا شبهة في أن متعلق الاحكام ، هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه ، وهو فاعله وجاعله ، لا ما هو اسمه ، وهو واضح ، ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه ، بحيث لو لا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا ، لما كان بحذائه شيء خارجا ويكون خارج المحمول ،
______________________________________________________
لا يعقل ان يكون باعثا إلى ايجاده بحيث يعاقب على تركه وباعثا له بحيث لا يعاقب على تركه وكذلك الحرمة والكراهة ، ومثله احدها مع الاباحة والترخيص.
واما في مرحلة الانشاء وجعل القانون فحيث ان انشاء الحكم في تلك المرتبة لا يستلزم تحريكا ولا بعثا فلا مانع من ان ينشأ على طبق المصلحة حكما قانونيا ، وعلى طبق المفسدة حكما قانونيا بحيث لا يكون الحكم باعثا الى الايجاد والى عدم الايجاد للشيء الواحد ، ولذا لا وجه لتضاد الاحكام في هذه المرتبة فان وجودها ليس إلّا وجودا انشائيا قانونيا لا باعثا ولا زاجرا ، ولذا قال (قدسسره) : ((لا ريب في ان الاحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها الى آخر كلامه)).
واشار الى عدم تضادها في المرتبة الانشائية ((وان لم يكن بينها مضادة ما لم تبلغ الى تلك المرتبة الى آخر كلامه)).
واما عدم تضادها في مرتبة الاقتضاء وهي مرحلة المصالح والمفاسد الواقعية الموجودة في الاشياء ، فلوضوح امكان اشتمال الموجود الواحد على المصلحة والمفسدة معا وهو مشاهد وجدانا ، مضافا الى ان الاحكام اذا لم يكن بينها تضاد في مرحلة الانشاء فلا بد وان لا يكون بينها تضاد في المرتبة السابقة ، والّا لكان التضاد متحققا في المرتبة اللاحقة لها ايضا.
وقد اشار المصنف الى ان التضاد في المرتبة الفعلية معناه ان الاجتماع يكون من التكليف المحال بنفسه ذاتا ، وليس هو من التكليف بالمحال الذي يكون المانع فيه عدم القدرة ، ولذا ان من يقول بجواز التكليف بغير المقدور لا يقول بامكان اجتماع الحكمين المتضادين بقوله : ((فاستحالة اجتماع الامر والنهي الى آخر كلامه)).