ساءت سريرته وخبثت طينته ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة كيلا يكون للناس على الله حجة بل كان له حجة بالغة.
ولا يخفى أن في الآيات والروايات ، شهادة على صحة ما حكم به الوجدان الحاكم على الاطلاق في باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة (١) ،
______________________________________________________
(١) اما الآيات فمثل قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)(١) وقوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(٢) وقوله تعالى : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ)(٣) فان ظاهر هذه الآيات وامثالها هي المؤاخذة على ما لا بالاختيار ، فان المحاسبة على ما في النفس والسؤال عما في الفؤاد والمؤاخذة بما كسبت القلوب كل ذلك على امر غير اختياري ، لان ما في النفس وما في الفؤاد وما في القلوب من غير الاختياري.
والجواب عنه : اولا ان ظواهر القرآن الكريم لا يمكن الأخذ بها مع قيام البرهان على ما لا يوافق ظواهرها ، فان مثل (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(٤) ومثل قوله عزوجل : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ)(٥) لا بد من تأويله بكون مجيئه تبارك وتعالى لا بد وان يكون غير مجيء الملك الذي هو من صفات ما له الجسم ، وكذلك يداه فانه لا بد من تأويله لئلا يستلزم تجسيما عليه تبارك وتعالى عن ذلك.
وثانيا : انه يمكن ان يكون المراد من المحاسبة على ما في النفس والسؤال عن ما في الفؤاد والمؤاخذة على ما كسبت القلوب هي محاسبة النفس والفؤاد والقلب على العقد والجزم ، والبناء على ما ينافي ما قام البرهان على بطلانه ودعت الرسل الى التكذيب به كالعقائد الفاسدة والاحتمالات الباطلة.
ومن الواضح ان عقد القلب على العقائد الفاسدة من الامور الاختيارية ، وعلى هذا فلا ربط له بالارادة المحركة للعضلات في المتجري.
__________________
(١) البقرة : ٢٨٤.
(٢) الاسراء : ٣٦.
(٣) البقرة : ٢٢٥.
(٤) الفجر : ٢٢.
(٥) المائدة : ٦٤.