الأمر الثالث : إنه قد عرفت أن القطع بالتكليف أخطأ أو أصاب ، يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب ، أو الذم والعقاب ، من دون أن يؤخذ شرعا في خطاب (١) ، وقد يؤخذ في موضوع حكم آخر يخالف
______________________________________________________
وعلى كل فمقامنا من الكشف الإنّي ، وهو كشف المسبب الواحد المعلول عن وحدة العلة ، فلازم العقوبة الواحدة هو الكشف إنا «عن وحدة السبب» فليس في المعصية الحقيقية الواحدة الا مناط واحد لاستحقاق عقوبة واحدة.
(١) هذا الامر الثالث لبيان ان القطع قد يكون طريقا محضا لثبوت الحكم المرتب على موضوعه كالحرمة المترتبة على نفس الخمر ، فالحرمة حكم كلي موضوعها نفس الخمر من دون دخالة للقطع الا في كونه طريقا محضا في فعلية هذه الحرمة بفعلية موضوعها وهو الخمر ، فان اصاب القطع كان هذا التكليف منجزا واقعا وان اخطأ كان منجزا بنظر القاطع لا واقعا ، وعلى الاول تترتب الاطاعة والعصيان واقعا بالامتثال وعدم الامتثال ، وعلى الثاني يترتب الانقياد والتجري اصطلاحا كما مر مفصلا ، والى هذا اشار بقوله : «انه قد عرفت ان القطع بالتكليف اخطأ او اصاب يوجب عقلا استحقاق المدح والثواب» في الاطاعة والانقياد «او الذم والعقاب» في العصيان والتجري ، لكن هذا حكم للقطع الطريقي المحض المتعلق بحكم مترتب على موضوعه الخاص من دون دخالة للقطع ، والى هذا اشار بقوله : «من دون ان يؤخذ شرعا في خطاب» كما انه سيتضح في القسم الثاني من امكان اخذ القطع موضوعا لحكم شرعي فلا يكون طريقا محضا.
لا يقال : ان القطع في باب الاطاعة والانقياد والعصيان والتجري هو موضوع لاستحقاق العقاب والثواب.
فانه يقال : موضوعية القطع الطريقي لحكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب لا ينافي كونه طريقا محضا لثبوت الحكم المترتب على موضوع من الموضوعات ، كالحرمة المترتبة على الخمر ، والوجوب المترتب على الصلاة.