لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) هو المجاهدة مع النفس ، بتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل ، وهي التي كانت أكبر من الجهاد ، لا النظر والاجتهاد ، وإلّا لادّى إلى الهداية ، مع أنه يؤدي إلى الجهالة والضلالة ، إلا إذا كانت هناك منه ـ تعالى ـ عناية ، فإنه غالبا بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق ، لا بصدد الحق ، فيكون مقصّرا مع اجتهاده ، ومؤاخذا إذا أخطأ على قطعه واعتقاده (١).
______________________________________________________
ولا اشكال في كون الاول مقصّرا ، ولكن الاشكال في الثاني لدعوى كونه من القاصر دون المقصّر ، لان عدم وصوله مع بحثه واجتهاده يرجع الى عدم قدرته ، فاشار الى الجواب عنه بقوله : «ولو لاجل حب طريقة الآباء والاجداد».
وحاصله : ان البحث عن الحق على نحوين : لانه تارة : يكون بحثا عن الحق لاجل الحق ، وهذا هو الذي يكون ـ بحيث لم يصل ـ معذورا وبحكم الجاهل القاصر ، واخرى لا يكون بحثا عن الحق للحق ، بل يكون بحثه لاجل ان يصبغ طريقة آبائه واجداده بصبغة الحق على كل حال ، فلا يكون بحثه بحثا عن الحق لاجل الحق بل يكون بحثه ناشئا عن تعصب لطريقة آبائه في اعطائها صبغة الحقية على كل حال ، وهذا يرجع الى باب تمويه النفس على النفس ، ولو رجع هذا الباحث الى انصافه لوجد نفسه شاكا غير معتقد ، وحيث فرض استعداده وقدرته على الوصول الى الحق كان غير معذور في ترك معرفته ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ولو لاجل حبّ طريقة الآباء ... الى آخر الجملة».
(١) ظاهر المتن انه جواب عن سؤال مقدّر في المقام ، وحاصله : انه لقائل ان يقول : ان قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(١) يدل على ان المجاهدة في
__________________
(١) العنكبوت : الآية ٦٩.