ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم ، فيما يجب تحصيله عقلا لو أمكن ، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه ، بل بعدم جوازه ، لما أشرنا إليه من أن الامور الاعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الاعتقاد بما هو واقعها والانقياد لها ، فلا إلجاء فيها
______________________________________________________
الله تستلزم الهداية ، ونفس البحث من الباحث هي المجاهدة في الله ، فكيف يمكن ان يبحث باحث ولم يصل؟
وقد اجاب عنه أولا : بان المراد من المجاهدة في الآية ليست البحث والاجتهاد ، بل المراد منها هي الجهاد ولكنه للنفس بقمعها عن رذايل الشهوات ، وتخليتها عن اتباع الهوى وارغامها على فضائل العبادات وتحليتها بحلية الهدى ، فهي اجنبية عن المقام ، واليه اشار بقوله : «هو المجاهدة مع النفس ... الى آخر الجملة» أي ان المراد من الذين جاهدوا هم اهل المجاهدة مع النفس لا اهل البحث والاجتهاد.
وثانيا : ما يظهر من طي كلماته ، وهو انه لو سلّمنا ان المراد من المجاهدة هي البحث والاجتهاد ، ولكنها لا تستلزم اهداء هذا المقصّر ، لان المجاهدة في الله هي البحث عن الحق لاجل الحق لا البحث لاعطاء طريقة اهله صبغة الحق على كل حال ، واليه اشار بقوله : «فانه غالبا بصدد اثبات ان ما وجد آباءه عليه هو الحق لا بصدد الحق» ومثل هذا الباحث يكون مقصّرا غير معذورا ، ولذا قال (قدسسره) : «فيكون مقصّرا ... الى آخر الجملة».
وقد ظهر انه بناء على ان المراد بالمجاهدة هي جهاد النفس لا ما يشمل لزوم اعطاء الهداية للباحث ، ولو فيما اذا كان باحثا عن الحق لاجل الحق ، وعليه فالفرق بين الباحث لاجل الحق والباحث لحبّ طريقة الآباء ، هو ان الاول اذا لم يصل الى الحق كان معذورا وله حكم الجاهل القاصر ، والثاني لا يكون معذورا ويستحق العقاب.