وقد استدل على ذلك بالادلة الاربعة : اما الكتاب فبآيات اظهرها قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١) وفيه : إن نفي
______________________________________________________
(١) اما كونها اظهر فلأن هذه الآية المباركة بعد تمامية مقدماتها يكون لها ظهور واضح على البراءة في مقام الشك في اصل التكليف.
واما المقدمات التي يبتني عليها الاستدلال بها للبراءة فثلاث :
الاولى : كون المراد من العذاب المنفي فيما هو ما يعمّ العذاب الاخروي ، لانه لو كان المراد منه هو العذاب الدنيوي الواقع في الامم السابقة تكون اجنبية عما نحن فيه ، لانه كان ذلك لعدم تصديق الامم المبعوث لها الانبياء وتكذيبهم لهم وجرأتهم على ايذائهم أو قتلهم ، لا لمخالفتهم للتكاليف الفرعية مع وصول بيانها لهم.
الثانية : ان المراد من الرسول هو الاعم من الرسول الظاهري وهم الانبياء والرسول الباطني وهو البيان ، فانه لو كان المراد بها خصوص الرسول الظاهري ايضا تكون اجنبية عن المقام ، لان مدلولها يكون هو ان نفي العذاب وان كان اخرويا منوط بالرسول الظاهري ، وهذا المعنى اجنبي عما هو المطلوب اثباته بها في البراءة ، من كون نفي العذاب منوطا بعدم وصول البيان ، فالاستدلال بها للبراءة يتوقف على كون المراد من الرسول البيان ، وانما كني به عن البيان لملازمة البيان للرسول غالبا ، لان البيان من الله لأحكامه انما يكون على لسان رسله ومن طريقهم.
الثالثة : ان يكون المراد من نفي العذاب هو نفي استحقاق العذاب لا نفي فعلية العذاب ، لان المبحوث عنه في البراءة هو نفي استحقاق العقاب عند عدم البيان ، ولا ملازمة بين الاستحقاق والفعلية ، لوضوح ان الله تعالى فضله ربما لا يعاقب من استحق العقاب ، فاذا كانت الآية المباركة في مقام رفع استحقاق العقاب عند عدم البيان ـ المكنى عنه بالرسول ـ كانت مربوطة بمحل الكلام ودالة على البراءة الشرعيّة عند عدم البيان الواصل ، واذا كان المنفي فيها فعلية العقاب لا تنفع دليلا في ما نحن فيه ، لاحتمال كون من لم يصله البيان مستحقا للعقاب بمجرد احتماله لذلك وقد