وأما الرجوع إلى الاصول ، فبالنسبة إلى الاصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف ، فلا مانع عن إجرائها عقلا مع حكم العقل وعموم النقل. هذا ، ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي لاستلزام شمول دليله لها التناقض في مدلوله ، بداهة تناقض حرمة النقض في كل منها بمقتضى (لا تنقض) لوجوبه في البعض ، كما هو قضية (ولكن تنقضه بيقين آخر) (١) وذلك لانه إنما يلزم فيما إذا
______________________________________________________
(١) لا يخفى ان المقدمة الرابعة بعد تمامية المقدمة الثالثة ـ وهي عدم جواز الاهمال ـ فانه حيث علم عدم جواز الاهمال وانه لا بد للمكلف من التعرّض لما يخرج به عن اهمال التكاليف المعلومة اجمالا ، وحينئذ تأتي هذه المقدمة الرابعة ، فان ما يخرج به المكلف عن الاهمال اما العمل بالاحتياط وقد مرّ الكلام فيه ، واما بالرجوع الى الاصول وهذا الشق هو محل الكلام وسيأتي الكلام في غيره.
والمدعى عدم جواز الرجوع الى الاصول سواء كانت نافية للتكليف كالبراءة والاستصحاب النافي والتخيير ، او مثبتة للتكليف كالاحتياط والاستصحاب المثبت للتكليف.
اما الاصول النافية فلازمه الاهمال وعدم العمل نتيجة ، وقد عرفت عدم جواز الاهمال بحكم المقدمة الثالثة وسيأتي تعرّض المصنف لها والجواب عن ذلك.
واما المثبتة للتكليف وهما الاحتياط والاستصحاب المثبت ، وقد استدل على عدم جواز الرجوع اليهما بوجهين : احدهما : عام لهما ، والثاني : يختص بخصوص الاستصحاب.
فالوجه الاول ـ العام لهما ـ هو ما مرّ من ان الرجوع الى الاحتياط والاستصحاب المثبت للتكليف في اطراف العلم الاجمالي يلزم منه العسر المخل والحرج المرفوع بادلة العسر.