ولا يذهب عليك أن استقلال العقل بالتخيير إنما هو فيما لا يحتمل الترجيح في أحدهما على التعيين ، ومع احتماله لا يبعد دعوى استقلاله بتعيينه كما هو الحال في دوران الامر بين التخيير والتعيين في غير المقام (١) ،
______________________________________________________
فظهر مما ذكرنا : ان التعبدية لا توجب خروج المقام عن الكلام لعدم تأتي الوجوه كلها فيه ، فانه يكفي جريان بعض الوجوه فيه ، وقد اشار الى الوجه الصحيح في ما كانا تعبديين او احدهما تعبديا بقوله : ((إلّا ان الحكم أيضا فيهما اذا كانا كذلك)) أي في المقام الدائر بين الوجوب والحرمة التعبديين أو التعبدي احدهما المعين ((هو التخيير عقلا بين)) الفعل والترك ولكن بنحو يكون ((اتيان)) كل واحد من الطرفين ((على وجه قربي بان يؤتى به)) أي بالفعل ((بداعي احتمال طلبه)) ليقع قريبا لو كان هو الواقع ((و)) ان يؤتى في مقام ((تركه كذلك)) أي بان يترك بداعي احتمال طلب الترك ليقع ايضا قريبا ، واشار الى الوجه في هذا التخيير بقوله ((لعدم الترجيح)) لاحد الطرفين ((وقبحه)) أي وقبح الترجيح ((بلا مرجح)) واشار الى عدم الوجه في تخصيص الكلام بخصوص التوصليين لتأتي الاوجه كلها فيه ، لما عرفت من تأتي بعض الوجوه على التعبدية ايضا وان لم تأت كلها بقوله : ((فانقدح انه لا وجه لتخصيص المورد بالتوصليين بالنسبة الى ما هو المهم في المقام)) وهو التخيير على الوجه الذي عرفته ((وان اختص بعض الوجوه)) وهو البراءة العقلية والنقلية ((بهما)) أي بالتوصليين او ما كان احدهما غير المعين تعبديا.
(١) توضيحه : ان دوران الامر بين التخيير والتعيين بحسب اصطلاح القوم في مقامين :
الاول : دوران الامر بين العام والخاص ، فان الامر ان كان عاما فالخاص فرد له ويحصل به امتثاله ، وان كان خاصا فالخاص هو المطلوب بخصوصه فيتعين الخاص بدعوى حكم العقل بانه مما يقطع به الامتثال دون افراد العام الآخر.
الثاني : في الواجبين المتزاحمين فيما اذا احتمل اهمية احدهما ، فان العقل يحكم بالتعيين بالاخذ بمحتمل الاهمية ، لوضوح انه لو احرزت الاهمية لتقدم الاهم تعيينا ،