ذلك الرجل إلا حجة الله تعالى ذكره على نفسه ، كما في الأنبياء عليهمالسلام منهم من بعث إلى نفسه ، ومنهم من بعث إلى أهله وولده ، ومنهم من بعث إلى أهل محلته ، ومنهم من بعث إلى أهل بلده ، ومنهم من بعث إلى الناس كافة ، وأما استدلال إبراهيم الخليل عليهالسلام بنظره إلى الزهرة ثم إلى القمر ثم إلى الشمس ، وقوله لما أفلت : ( يا قوم إني بريء مما تشركون ) فإنه عليهالسلام كان نبيا ملهما مبعوثا مرسلا وكان جميعا قوله بإلهام الله عزوجل إياه ، وذلك قوله عزوجل : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ) (١) وليس كل أحد كإبراهيم عليهالسلام ، ولو استغنى في معرفة التوحيد بالنظر عن تعليم الله عزوجل وتعريفه لما أنزل الله عزوجل ما أنزل من قوله : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) (٢) ومن قوله : ( قل هو الله أحد ـ إلى آخرها ) ومن قوله : ( بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ـ إلى قوله ـ وهو اللطيف الخبير ) (٣) وآخر الحشر ، وغيرها من آيات التوحيد (٤).
__________________
١ ـ الأنعام : ٨٣.
٢ ـ محمد : ١٩.
٣ ـ الأنعام : ١٠٣.
٤ ـ حاصل كلامه رحمهالله أن معنى قوله عليهالسلام في الخبر الثالث : اعرفوا الله بالله أي اعرفوا الله بتعليمه تعالى وتعريفه ، ولا تكتفوا لمعرفته بالنظر والاستدلال ببعض خلقه من وجود الأنبياء أو جود أنفسنا وعقولنا أو غير ذلك من دون تعليمه تعالى ، وتعليمه تعالى إما بالوحي كما للأنبياء عليهمالسلام ، أو بسمع الكلام من الأنبياء والأوصياء كما لنا ، فليس في كلامه تشويش ولا تناقض كما نسب إليه العلامة المجلسي رحمهالله فلذا قال : إن المولود في فلاة إن كان نبيا يوحى إليه فهو وإلا فلا يكفي نظره بل لا بد من تعلم من نبي ، أو ممن تعلم من نبي ، واستدلال إبراهيم عليهالسلام ليس مجرد استدلال لنفسه بل تعلم من الله بالوحي ، ثم استدل لغيره بما تعلم منه تعالى فتعلم غيره منه ، وهذا ما في بعض الأخبار من قولهم عليهمالسلام : ( إن الله تعالى أرسل رسله إلى عباده ليعقلوا عنه ما جهلوه ).