يصح إلا بين موجودين ، ثم إنه تعالى يجعله ركاما وذلك بتركيب بعضها على بعض ، وهذا مما لا بد منه ؛ لأن السحاب إنما هو الكثير من الماء.
(واعلم) أن تكون السحاب والضباب والطل والصقيع والثلج إنما يكون من تكاثف البخار ، وبيان ذلك أن جميع الكائنات يتصعد منها مواد بخارية ، وهذا التبخير يختلف باختلاف المحال والأفراد ، وحالة تلك الإفراد والأجزاء المركبة لها متى كانت تلك الأجزاء غير تامة التجانس ، ومن ذلك التبخير يتكون الجو البخاري المحسوس الذي يحيط بتلك الكائنات في جميع أزمنة وجودها ، ويمكن أن يعتبر التبخير والتصعد في هذه الحالة حادثا واحدا يزيد ويسرع بزيادة الحرارة وسعة الأسطحة ، وهو قوي في خط الاستواء ، ويأخذ في التناقص كلما قرب إلى المناطق القطبية ، وفي هذه المناطق الباردة يتصعد من الجليد والثلج أبخرة كما تتصعد من مياه الأقطار التي بين المدارين ، والبخار المائي أخف من الهواء جدا فإذا خلط معه صيره أخف ، والآثار التي يتنوع منها الجو ثلاثة مائية وضوئية ونارية.
(الأول) : الكائنات الجوية المائية وهي قسمان :
(أحدهما) : ما يبقى معلقا في الجو كالضباب والسحاب.
(وثانيهما) : ما ينزل على الأرض كالندى والمطر والثلج والبرد ، وكلها ناشئة من المياه التي تتصعد على الدوام من الأجسام الرطبة المماسة للهواء فتتحول إلى بخار يصير مدركا بالبصر متى تكاثف بالبرد أو بغيره ، وهذا البخار يولد ترويحا على الأبدان ورطوبة مخصوصة يحس بها في الغابات والمغارات والمطامير التي في باطن الأرض ، بل في مساكننا أيضا. الأول الضباب إذا كان مقدار البخار الذي في الهواء متناسبا مع قوته على حل المقدار اللائق به منه ومسكه له محلولا فيه بقي الهواء شفافا ، فإذا زاد مقداره عما تقتضيه سعته صار ذلك البخار محسوسا بالبصر معلقا في الجو ، ويكون ذلك هو المسمى بالضباب وهو مؤلف من أكر مائية صغيرة جدا ، ثم هو إما منخفض أو مرتفع ، ويسمى الأول صاعدا.
والثاني نازلا فالأول سحاب ضبابي يزحف أحيانا على سطح الأرض ، وتارة يظهر كأنه غيره متحرك فيشاهد بكثرة في الخريف والشتاء.
والثاني يرتفع من المحال الرطبة وأسطحة المياه وأعماق الأودية ، ويصعد في الهواء إلى أعلى كلما سخن الجو من الشمس ، الثاني السحاب هو كناية عن أبخرة أو تصعدات مائية متكاثفة بسبب البرد ، وأنها تنبسط وتنقبض وتقرب وتبعد على حسب الأسباب المقتضية لذلك التي أقواها الحرارة ، والتأثرات الجوية ، وشكل الغمام يختلف باختلاف الفصول والشهور