أو في قاعها فلما ارتفعت الأرض دفعة واحدة حصل اضطراب في المياه فانقذفت داخل الأراضي القارة فأغرقتها وغطتها بأمواجها المفزعة المختلطة ببقايا الأراضي التي أتلفتها ، وكان حصول هذه الحادثة دفعة واحدة لكنها كانت قصيرة المدة متكررة فانكشفت الوديان والسبل كما قررنا ذلك في قوله تعالى : (سُبُلاً فِجاجاً) [نوح : الآية ٢٠]. وقد حصل في أراضي أوروبا بعد طوفانان وفي آسيا طوفان واحد ، وكان حصول الطوفانين الأولين قبل ظهور الإنسان ، وأما طوفان آسيا فكان بعد خلق الإنسان ، ولنتكلم على كل منها فنقول :
(الكلام على طوفاني أرض أوروبا)
الطوفان الأول منهما حصل في شمال أوروبا ، وكان ناشئا عن ارتفاع جبال النورويج فأخربت مياه الطوفان أرض السويد والنورويج وأرض الروسيا وأرض شمال النمسا ، فتغطت جميع سهول تلك الأراضي بأرض طوفانية وبما أن الأماكن التي حصل فيها الارتفاع والبحار المجاورة لها كانت مغطاة بالجليد بالنظر لمجاورتهما القطب الشمالي كانت الأمواج التي تتقلب على هذه الأماكن تحمل كتلا عظيمة من الجليد ، وقد أعانت مصادمتها منها على ازدياد قوة الطوفان.
والدليل على حصول الطوفان في تلك الأراضي الرمل والزلط الذي يغطي جميع سهولها ومنخفضاتها ، وقد شاهدوا هذه الرسوبات كثيرا من صخور ضالة تخالف صخور البلاد الموجودة بها الآن فإنها تنسب إلى الأراضي الأصلية التي ببلاد النورويج وقد حملتها مياه الطوفان.
والطوفان الثاني نشأ عن ارتفاع جبال الألب ، وقد ملأ أودية أرض فرنسا والنمسا وإيطاليا برسوبات مكونة من رمل وطفل وزلط وصخور ضالة أيضا.
(الكلام على طوفان آسيا وعلى خلق الإنسان)
خلق الإنسان على وجه الأرض بعد حصول الطوفان العام.
(واعلم) أن الأراضي القارة والبحار كانت في انتهاء الزمن الأخير كما هي الآن ، وكانت الشقوق التي تحدث في الأرض والطفحات البركانية لا تحصل إلا بعد مضي زمن ولا يتأتى منها إلا إتلاف قليل ، وكان الجو شفافا والأنهار تجري بين شواطئ هادئة ساكنة ، وكانت