النباتات كثيرة العدد والأرض والمياه والهواء معمورة بكثير من الحيوانات ومع ذلك لم تكمل الخليقة فلم يخلق إذ ذاك الإنسان ، وقال بعضهم : إن الإنسان خلق بجوار نهر الفرات من آسيا الصغرى وهذا القول مثبت بحادثة مهمة شهيرة عند جميع الأمم هي طوفان آسيا ، أي طوفان سيدنا نوح عليهالسلام ، وقد نشأ عن ارتفاع سلسلة من الجبال في البلاد المذكورة فانشقت الأرض فحصلت طفحات بركانية مصحوبة بكثير من أبخرة مائية تكاثفت ، ثم سقطت مطرا فغرقت السهول والجبال ووصلت إلى ارتفاع عظيم ، وقدمنا شرح ذلك فيما سبق مطولا فارجع إليه إن شئت.
(في بيان كيفية دوران الأرض وفيه دليلان)
الدليل الأول : قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : الآية ٤٠].
(اعلم) أنه لا يجوز أن يقال وكل في فلك يسبحون إلا ويدخل في الكلام مع الشمس والقمر والنجوم ليثبت معنى الجمع ومعنى كل أي كل ما كان مغروز في الخلاء اللانهائي فصارت النجوم وإن لم تكن مذكورة أولا كأنها مذكورة لعود هذا الضمير إليها.
والفلك في كلام العرب كل شيء دائر وجمعه أفلاك ، واختلفت العقلاء فيه فقال بعضهم : الفلك ليس بجسم وإنما هو مدار هذه النجوم ، أي الخلاء للانهائي ، وهو قول الضحاك ، وقال الأكثرون : بل هو شيء تدور النجوم عليه ، وهذا أقرب إلى ظاهر القرآن ثم اختلفوا في كيفية فقال بعضهم : الفلك موج مكفوف تجري النجوم فيه ، وقال الكلبي : ماء مجموع تجري فيه الكواكب ، واحتج بأن السباحة لا تكون إلا في الماء قلنا : لا نسلم فإنه يقال في الفرس الذي يمد يديه في الجري سابح. وقال أصحاب الهيئة : إن الخلاء هو هواء متخلخل خلخلة لا تدرك حسا تجري الشمس والنجوم والقمر فيه.
(واعلم) أن مدار هذا الكلام على امتناع القول بسكون الأرض وأنها خارجة عن الخلاء فهو باطل ، بل الحق أن دورانها ممكن ، والله تعالى قادر على كل الممكنات ، والذي يدل عليها قوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : الآية ٤٠]. قال صاحب الكشاف التنوين في كل تنوين عوض عن المضاف إليه ، أي كلهم في فلك يسبحون ، والله أعلم ، الدليل الثاني قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) [البقرة : الآية ٢٢]. وقوله تعالى : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) [النّمل : الآية ٦١]. وقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ