(الدليل الثاني وهو الشرط الثاني في الثقل):
الثقل هو القوة التي تلجئ الأجزاء المادية إلى قربها من الأرض إذا كانت بعيدة عنها ، وتتركها ملازمة لها حتى تأتيها قوة تبعدها عنها ، والزنة : هي مقادير الأجزاء المادية التي تركب منها الجسم ، ومن الثقل أيضا الجذب الذي هو قوة تلجئ كتل الأجسام وأجزاءها الصغيرة لقربها من بعضها لكنه في تقريب الأجزاء يسمى بالقوة التماسكية أو الميل.
(واعلم) أن الأجسام التي تظهر فيها قوة التثاقل صغيرة جدا بالنسبة للأرض فإن محيطها سبعة وعشرون ألف ميل ولا تبعد عنها الأجسام إلا بمسافة قليلة لكون الأرض تجذبها إليها نظرا إلى كبرها عنها وهذا الجذب هو المانع للأجسام من تشتت الأجزاء الصغيرة المنفصلة من الأرض ، وهذه القوة تسمى بالجاذبة إلى المركز ، ولو لا هذه القوة لما جعل الله تعالى الأرض فراشا لنا.
(الشرط الثالث وهو الدليل الثالث التجزى):
التجزى : خاصية للأجسام بها يتمكن من فصلها إلى أجزاء في نهاية الدقة ، والأجزاء التي لا يمكن تجزيها إلا في العقل تسمى جواهر فردة.
ولا شك في أنه يمكن تجزئة الأجسام إلى أجزاء دقيقة جدا فيمكن احالتها إلى مسحوق ناعم جدا بحيث لا تدرك أجزاؤه باللمس ولا في أن الجواهر الروائحية تتطاير منها أجزاء دقيقة جدا تؤثر في حاسة الشم منا ، ويمكن الحكم على كميتها ودقتها فإنا إذا تأملنا في المسك مثلا رأينا أن القمحة منه تبقى أجزاؤها الرائحية مدة سنين في محل يتجدد هواؤه في اليوم مرات كثيرة من غير أن يظهر في زنتها نقص ، وإذا حللنا مقدارا يسيرا من اللعل في قليل من الماء ثم أضفنا له مقدارا عظيما من الماء فما دام الماء متلونا يوجد فيه عدد كثير من أجزاء اللعل تشاهد بالبصر.
(واعلم) أنه يمكن تقسيم الأجزاء إلى عدد خارق للعادة مع بقائها متصلة كما يظهر ذلك فيما لو أخذ سلك من فضة فيه غلظ ما وغطى بصفيحة من ذهب وزنها عشرة دراهم مثلا ، ثم سحب في مسحب حتى صار سلكا دقيقا أدق من الشعرة مغطى بالذهب من كل جهة طوله ثلاثمائة ميل فلو لم يهيئ الله تعالى الأجسام للتجزئة لما كانت الأرض فراشا لنا.