يعني أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض ، وقال ابن قتيبة في هذا الآية : المراد من الشجر الكلأ وفي حديث عكرمة «لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت». يعني الكلأ ، ولقائل أن يقول : إنه تعالى قال : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦)) [الرّحمن : الآية ٦]. والمراد من النجم ما ينجم من الأرض مما ليس له ساق هكذا قال المفسرون.
وبالجملة فلما عطف الشجر على النجم دل على التغاير بينهما ، ويمكن أن يجاب عنه بأن عطف الجنس على النوع وبالضد مشهور ، وأيضا فلفظ الشجر مشعر بالاختلاط يقال : تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم ببعض وتشاجرت الرماح إذا اختلطت ، وقال تعالى : (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النّساء : الآية ٦٥]. ومعنى الاختلاط حاصل في العشب والكلأ فوجب جواز إطلاق لفظ الشجر عليه.
(القول الثاني) : إن الإبل تقدر على رعي ورق الأشجار الكبار ، وأيضا المعز على هذا التقدير فلا حاجة إلى ما ذكرناه في القول الأول.
(البحث الثاني) : قوله : (فِيهِ تُسِيمُونَ) [النّحل : الآية ١٠]. أي في الشجر ترعون مواشيكم يقال : أسمت الماشية إذا خليتها ترعى وسامت هي تسوم سوما إذا رعت حيث شاءت فهي سوام وسائمة قال الزجاج : أخذ ذلك من السمة وهي العلامة وتأويلها أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات ، وقال غيره : لأنها تعلم للإرسال في المراعي. وتمام الكلام في هذا اللفظ قد ذكرناه في قوله : (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) [آل عمران : الآية ١٤].
(المسألة الثانية) : قوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ) [النّحل : الآية ١١]. وفيها بحث هو أن النبات الذي ينبته الله تعالى من ماء السماء قسمان :
(أحدهما) : معد لرعي الأنعام وإسامة الحيوانات وهو المراد من قوله : (فِيهِ تُسِيمُونَ) [النّحل : الآية ١٠].
(وثانيهما) : ما كان مخلوقا لأكل الإنسان ، وهو المراد من قوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ) [النّحل : الآية ١١].
أما الزرع فسيأتي الكلام عليه ، وأما الزيتون فهو نوعان :
(الأول) : ينبت في آسيا والمغرب الأوسط والأقصى ومصر فجنسه أولى من الفصيلة الياسمينية ثنائي الذكور أحادي الإناث ، ويعلو من خمس وعشرين قدما إلى ثلاثين إلى خمس وأربعين ، وجذعه غير متساو ، وينقسم إلى فروع عديدة قوية ، وأوراقه متقابلة سهمية ضيقة