(المسألة الثانية) :
اعلم أنه عندنا أن هذه الآية دالة على التحريم للخمر فنفتقر إلى بيان أن الخمر ما هو ، ثم إلى بيان هذه الآية دالة على تحريم شرب الخمر ، وعلى مضاره ومنافعه.
(المقام الأول) :
في بيان أن الخمر ما هو؟ فقال الإمام الشافعي رضي الله عنه : كل شراب مسكر فهو خمر ، وهي من جميع الثمار والحبوب القابلة للتخمر ، وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : ألحق بها كل ما خامر العقل من شراب ، ولا شك أن عمر كان عالما باللغة ، ورايته أن الخمر اسم لكل ما خامر العقل فغيره ، وروى أبو داود أيضا عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام».
قال الخطابي : قوله عليهالسلام : «كل مسكر خمر». دل على وجهين :
(أحدهما) : أن الخمر اسم لكل ما وجد منه السكر من الأشربة كلها ، والمقصود منه أن الآية لما دلت على تحريم الخمر ، وكان المسمى الخمر مجهولا للقوم حسن من الشارع أن يقول : مراد الله تعالى من هذه اللفظة هذا إما على سبيل أن هذا هو مسماه في اللغة العربية أو على سبيل أن يضع اسما شرعيا على سبيل الإحداث كما في الصلاة والصوم وغيرهما.
(والوجه الآخر) : أن يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة ، وذلك لأن قوله : هذا خمر حقيقة هذا اللفظ تفيد كونه في نفسه خمرا فإن قام دليل على أن ذلك ممتنع وجب حمله مجازا على المشابهة في الحكم الذي هو خاصية ذلك الشيء.
(المقام الثاني) :
في بيان أن هذه الآية دالة على تحريم الخمر وبيانه من وجوه :
(الأول) : أن الآية دالة على أن الخمر مشتملة على الإثم ، والإثم حرام لقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ) [الأعراف : الآية ٣٣]. فكان مجموع هاتين الآيتين دليلا على تحريم الخمر.
(الثاني) : أن الإثم قد يراد به العقاب ، وقد يراد به ما يستحق به العقاب من الذنوب وأيهما كان فلا يصح أن يوصف به إلا المحرم.
(الثالث) : أنه تعالى قال : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : الآية ٢١٩]. صرح