(وثانيها) : قال ابن قتيبة : الميسر من التجزئة ، والاقتسام يقال : يسروا الشيء ، أي اقتسموه فالجزور نفسه يسمى ميسرا ؛ لأنه يجزأ أجزاء فكأنه موضع التجزئة ، والياسر الجزار ؛ لأنه يجزئ لحم الجزور ، ثم يقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور أنهم ياسرون ؛ لأنهم بسبب ذلك الفعل يجزؤون لحم الجزور.
(وثالثها) : قال الواحدي : إنه من قولهم يسر لي هذا الشيء ييسر يسرا وميسرا إذا وجب ، والياسر الواجب بسبب القداح هذا حقيقة الكلام في اشتقاق هذه اللفظة.
وأما صفة الميسر فقال «صاحب الكشاف» : كانت لهم عشرة أقداح وهي : الأزلام والأقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس بفتح الحاء وكسر اللام ، وقيل : بكسر الحاء وسكون اللام والمسبل والمعلي والنافس والمنيح والسفيح والوغد لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينشرونها ويجزؤونها عشرة أجزاء ، وقيل : ثمانية وعشرين جزءا إلا ثلاثة ، وهي المنيح والسفيح والوغد ، ولبعضهم في هذا المعنى :
لي في الدنيا سهام |
|
ليس فيهن ربيح وأساميهن وغد |
وسفيح ومنيح |
فللفذ سهم ، وللتوأم سهمان ، وللرقيب ثلاثة ، وللحلس أربعة ، وللنافس خمسة ، وللمسبل ستة ، وللمعلي سبعة يجعلونها في الربابة وهي الخريطة ويضعونها على يد عدل ، ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح ، ومن خرج له قدح لا نصيب له لم يأخذ شيء ، وعزم ثمن الجزور كله ، وكانوا يدفعون تلك الأنصاب إلى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ، ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم ، ثم اختلفوا في أن الميسر هل هوة اسم لذلك القمار المعين ، أو هو اسم لجميع أنواع القمار ، روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : (إياكم وهاتين الكعبتين فإنهما من ميسر العجم). وعن ابن سيرين ، ومجاهد ، وعطاء كل شيء فيه خطر فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز.
وأما الشطرنج فروى عن علي ـ عليهالسلام ـ أنه قال : النرد والشطرنج من الميسر. وقال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ : إذا خلا الشطرنج عن الرهان ، واللسان عن الطغيان ، والصلاة وعن النسيان لم يكن حراما ، وهو خارج عن الميسر ؛ لأن الميسر ما يوجب دفع المال أو أخذ المال ، وهذا ليس كذلك فلا يكون قمار ولا ميسرا والله أعلم.