أما السبق في الخف والحافر فبالاتفاق ليس من الميسر ، وشرحه مذكور في «كتاب السبق والرمي» من كتب الفقه.
أما الميسر فالإثم فيه أنه يفضي إلى العداوة أيضا لما يجري بينهم من الشتم والمنازعة ، وأنه أكل مال بالباطل ، وذلك أيضا يورث العداوة ؛ لأن صاحبه إذا أخذ ماله مجانا أبغضه جدا ، وهو أيضا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، ومن منافع الميسر التوسعة على ذوي الحاجة لأن من قمر لم يأكل من الجزور ، وإنما كان يفرقه في المحتاجين ، وذكر الواقدي أن الواحد منهم كان ربما قمر في المجلس الواحد مائة بعير ، فيحصل له مال من غير كد وتعب ، ثم يصرفه إلى المحتاجين فيكتسب منه المدح والثناء.
(المسألة السابعة) :
في قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : الآية ٢٤]. والسبب فيه أنه تعالى ذكر أنه أنزل من السماء ماء فأنبت به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب لقائل أن يقول : لا نسلم أنه تعالى هو الذي أنبتها ، ولم لا يجوز أن يقال إن هذه الأشياء إنما حدثت وتولدت بسبب تعاقب الفصول الأربعة ، وتأثيرات الشمس والقمر والكواكب ، فإذا عرفت هذا السؤال فما لم يقم الدليل على فساد هذا الاحتمال لا يكون هذا الدليل تاما وافيا بإفادة هذا المطلوب ، بل يكون مقام الفكر والتأمل باقيا فلهذا السبب ختم هذه الآية بقوله : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : الآية ٢٤].
(واعلم) أن الله تعالى أجاب في جملة آيات عن هذا السؤال الذي ذاكرنا من وجهين :
(الأول) : نقول هب أن حدوث الحوادث في هذا العالم السفلي مستند إلى اتصالات الفلكية والتشكيلات الكوكبية ؛ لأنه بل لحركتها واتصالاتها من أسباب ، وأسباب تلك الحركات إما ذواتها وإما أمور مغايرة لها فالأول باطل لوجهين :
(الأول) : أن الأجسام متماثلة فلو كان جسم علة لصفة لكان كل جسمك واجب الاتصاف بتلك الصفات وهو محال.
(الثاني) : أن ذات الجسم لو كانت علة لحصول هذا الجزء من الحركة لوجب دوام هذا الجزء من الحركة بدوام تلك الذات ، ولو كان كذلك لوجب بقاء الجسم على حالة واحدة من غير تغير أصلا ، وذلك يوجب كونه ساكنا ويمنع من كونه فثبت متحرك فثبت أن القول بأن الجسم متحرك لذاته يوجب كونه ساكنا لذاته وما أفضى ثبوته ، أى عدمه كان باطلا فثبت أن الجسم يمتنع أن يكون متحرك لكونه جسما فبقى أن يكون متحركا للغير ، وذلك الغير ، أما أن يكون ساريا فيه متباينا عنه.