يَتَفَكَّرُونَ) [النّحل : الآية ١١]. قوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [الرّعد : الآية ٣]. خلق لنا تعالى جميع الثمرات ، وجعل تعالى في كل ثمرة خواص ومنافع ؛ لأننا نرى إذا تولد العنب كان قشر على طبع وعجمه على طبع ثان ، ولحمه على طبع ثالث ، وماؤه على طبع رابع ، ويتولد من مجموع أملاح منوعة ، ويتولد من كل واحد على مفرد نتائج ملحية وغيرها ، وإنا نرى أيضا في الورد ما يكون أحد وجهي الورقة الواحدة منه في غاية الصفرة ، والوجه الثاني من تلك الورقة في غاية الحمرة ، وتلك الورقة تكون في غاية الرقة واللطافة ، ونعلم بالضرورة أن نسبة الأنجم والأفلاك إلى وجهي تلك الورقة الرقيقة واللطافة ، نسبة واحدة والطبيعة الواحدة في المادة الواحدة لا تفعل إلا فعلا واحد ، ألا ترى أنهم قالوا : شكل البسيط هو الكرة لأن تأثير الطبيعة الواحدة في المادة الواحدة يجب أن يكون متشابها ، والشكل الذي يتشابه جميع جوانبه هو الكرة ، وأيضا إذا وضعنا الشمع فإذا استضاء خمسة أذرع من ذلك الشمع من أحد الجوانب وجب أن يحصل مثل هذا الأثر في جميع الجوانب ؛ لأن الطبيعة المؤثرة يجب أن تتشابه نسبتها إلى كل الجوانب ، إذا ثبت هذا فنقول ظهر أن نسبة الشمس والقمر والأنجم والأفلاك والطبائع إلى وجهي تلك الورقة اللطيفة الرقيقة نسبة واحدة ، وثبت أن الطبيعة المؤثرة متى كانت نسبتها واحدة كان الأثر متشابها ، وثبت أن الأثر غير متشابهة ؛ لأن أحد جانبي تلك الورقة في غاية الصفرة والجانب الثاني في غاية الحمرة ، فهذا يفيد القطع بأن المؤثر في حصول هذه الصفات والأكوان والأحوال ليس هو الطبيعة بل المؤثر فيها هو الفاعل المختار الحكيم ، وهذا هو المراد.
(واعلم) أنه لما كان مدار هذه الحجة على أن المؤثر الموجب بالذات وبالطبيعة يجب أن يكون نسبته إلى الكل نسبة واحدة ، فلما دل الحس في هذه الأجسام النباتية على اختلاف جذورها وسوقها وأوراقها وصفاتها وثمارها المختلفة الألوان والأشكال والطعوم ظهر أن المؤثر فيها ليس موجبا بالذات ، بل فاعلا مختار فهذا تمام تقرير الدلائل على سؤال تعاقب الفصول الأربعة على النبات.
(المسألة العاشرة) :
في قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) [الرّعد : الآية ٣]. والمراد أنه تعالى إنما أخرج هذه الثمرات لأجل أن تكون رزقا لنا كقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) [البقرة : الآية ٢٢]. قال قوم : إنه تعالى أخرج هذه الثمرات بواسطة هذا الماء المنزل من السماء على سبيل العادة ، وذلك لأن في هذا المعنى مصلحة للمكلفين ؛ لأنهم إذا علموا أن هذه المنافع القليلة يجلب أن يتحمل في تحصيلها المشاق والمتاعب ، فالمنافع