العظيمة الدائمة في دار الآخر أولى أن تتحمل المشاق في طلبها ، وإذا كان المرء يترك الراحة واللذة طلبا لهذه الخيرات الحقيرة فلأن يترك اللذات الدنيوية ليفوز بثواب الله تعالى ، ويتخلص من عقابه أولى ، ولهذا السبب لما زال التكليف في الآخرة أنال الله تعالى كل نفس مشتهاها من غير تعب ولا نصب هذا قول المتكلمين ، وقال قوم آخرون : إنه تعالى يحدث الثمار والزروع بواسطة هذا الماء النازل من السماء ، والمسألة كلامية محضة ، وذلك أن الماء نزل من السحاب ، وسمي السحاب سماء اشتقاقا من السمو وهو العلو والارتفاع ، أو أنه تعالى أنزله من نفس السماء وهذا بعيد ؛ لأن الإنسان ربما كان واقفا على قلة جبل عال ، ويرى الغيم أسفل منه ، فإذا نزل من ذلك الجبل يرى ذلك الغيم ماطرا عليه فإذا كان هذا أمرا مشاهدا بالبصر كان النزاع فيه باطلا ، وقال أبو مسلم : لفظ الثمرات يقع في الأغلب على ما يحصل على الأشجار ، ويقع أيضا على الزروع والنبات كقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : الآية ١٤١]. والمراد أنه تعالى إنما أخرج هذه الثمرات لأجل أن يكون رزقا لنا ، والمقصود أنه تعالى قصد بتخليق هذه الثمرات إيصال الخير والمنفعة إلى المكلفين ؛ لأن الإحسان لا يكون إحسانا إلا إذا قصد المحسن بفعله إيصال النفع إلى المحسن إليه ، وقال صاحب الكشاف قوله : (مِنَ الثَّمَراتِ) [البقرة : الآية ٢٢]. بيان للرزق أي أخرج به رزقا هو ثمرات ، ويجوز أن يكون من الثمرات مفعول أخرج ورزقا حالا من المفعول أو نصبا على المصدر لأخرج ؛ لأنه في معنى رزق ، والتقدير ورزق من الثمرات رزقا لكم ، والثمرات أنواع وسنوردها عليك واحدا بعد واحد وفيها مباحث :
(المبحث الأول في الغلاف الثمري):
الغلاف الثمري جزء من الثمر مكون من المبيض المجرد عن أصول البذور ؛ ولذا يكون شكل المبيض دالا على شكل الثمر ، ويتكون الغلاف الثمري من ثلاثة أجزاء متميز ، عن بعضها ، فالغلاف الثمري الظاهر هو الغشاء الرقيق الذي ينفع للثمر بمنزلة البشرة ، ويكون غالبا شفافا سهل الانفصال في الثمار اللحمية ، وملتصقا جدا في الثمار اليابسة ، وليس الغلاف المذكور مكونا من غشاء مخصوص دائما ، فكلما كان المبيض سفليا كان ملتصقا بأنبوية الكأس فهذه الأنبوية هي التي تكون الغلاف الثمري الظاهر ، ويعرف أيضا بكيفية سهلة كون أنبوية الكأس هي المكونة للغلاف الثمري الظاهري بأن ينظر في قمة الغلاف فيرى بعيدا عن القمة الحقيقية تاج مسنن أحيانا طرفه مكون من أقسام قرص الكأس الخالد ، والغلاف الثمري المتوسط هو جزء لحمي عادة موضوع أسفل الغلاف الثمري الظاهري ، ويتميز عما عمداه بأنه مكون من جملة أوعية ، وهو الذي يشتمل على جميع الأوعية التي تخدم لتغذية الثمر ، وهي