وفيه وجوه :
(الأول) : أن ظاهر هذه الآية يقتضي أن الماء ينزل من السماء فهل الأمر كذلك ، أو يقال إنه ينزل من السحاب ، وسمي نازلا من السماء ؛ لأن كل ما سماك أي علاك فهو سماء ، وهذا البحث قد مر ذكره بالاستقصاء.
(الثاني) : قوله : (بِقَدَرٍ) [الزّخرف : الآية ١١]. أي إنما ينزل الماء بقدر ما يحتاج إليه أهل تلك البقعة من غير زيادة ولا نقصان لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أغرقهم ، بل بقدر حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم.
(الثالث) : قوله : (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) [الزّخرف : الآية ١١]. أي خالية من النبات فأحييناها وهو الإنشار ثم قال : (كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) [الزّخرف : الآية ١١]. يعني أن هذا الدليل كما يدل على قدرة الله تعالى وحكمته ، فكذلك يدل على قدرته على البعث والقيامة ووجه التشبه أنه يجعلهم أحياء بعد الإماتة كهذه الأرض التي أنشرت بعد ما كانت ميتة ، وقال بعضهم : بل وجه التشبيه أنه يخرجهم من الأرض بماء كالمني كما ينبت الأرض بماء المطر ، وهذا الوجه ضعيف ؛ لأنه ليس في ظاهر اللفظ إلا إثبات الإعادة فقط دون هذه الزيادة.
(المسألة الثانية) :
في قوله تعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) [الزّخرف : الآية ١٢]. قال ابن عباس رضي الله عنهما : الأزواج الضروب ، والأنواع كنوع النبات مثل القسط البحري ، والقطرية والخرازية والقلقلسية والنجيلية والهليونية إلى آخر الأنواع.
وقال بعض المحققين : كل ما سوى الله تعالى فهو زوج : كالفوق والتحت ، واليمين ، واليسار والقدام والخلف ، والماضي والمستقبل ، والذوات والصفات ، والصيف والشتاء ، والربيع والخريف ، والزوجان أما الضدان فإن الذكر والأنثى كالضدين والزوجان منهما كذلك ، وإما المتشاكلان فإن كل شيء له شبيه ونظير وضد وند.
قال المنطقيون : المراد بالشيء الجنس ، وأقل ما يكون تحت الجنس نوعان فمن كل جنس خلف نوعين من الجوهر مثلا المادي والمحوي ، ومن المادي النامي والحامد ومن النامي المدرك والنبات ومن المدرك الناطق والصامت ، ومن المعادن الأزواج التنافر والتجاذب في كل معدنين ، وكونها أزواجا يدل على كونها ممكنة الوجود في ذواتها محدثة مسبوقة بالعدم ، فالحق سبحانه وتعالى هو الفرد المنزه عن الضد والند ، والمقابل والمعاضد ، فلهذا