(واعلم) أن علماء الهيئة بينوا : أن كل عنصر بسيط جعل الله فيه قوة سائلة تتحول إلى أزواج ، وجعل تعالى أحدهما متسلطنا على الآخر ، وأول من اطلع على ذلك أرسطاطاليس في قطعة من الكهرباء ، والآن سمى ذلك علماء الهيئة بالكهربائية ، وهو سيال في غاية اللطافة منتشر في الأجسام بمقادير مختلفة ، وتظهر في الزجاج واللك والراتينج ، وبعض الأحجار الثمينة والكبريت توجد فيها هذه الخاصية بالدلك ، وبيان ذلك بتقريب كرة صغيرة من جسم خفيف كخشب الفلين وقلب النبق معلقة بخيط من الحرير للجسم المكهرب بالدلك ، ثم ظهرت أن الكرة المذكورة إذا جذبت لجسم زجاجي تكهرب بالدلك ، ثم نفرت عنه ورأت قطعة من منّ نوعان زجاجية وراتنجية ونوعا الكهربائية من الراتنج انجذبت نحوها بقوة عظيمة وكذا عكسه ، فعرف من ذلك أن الكهربائية وإن كانا متخالفين طبيعة يوجدان في جميع الأجسام ، وإنما الحكم للمتسلطن ، ثم إن اتفق الجسمان في نوع الكهربائية تنافرا إن اختلفا فيه تجاذبا كقوله تعالى : (خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) [يس : الآية ٣٦]. وأيضا قد بينوا أن الزوجية المغناطيسية التي هي سيال لطيف لا يقبل الوزن وجود في الأجسام كوجود السيال الكهربائي ، لكنه دائما على نسق واحد ، ووجوده في بعض المعدنيات يفيدها خاصية جذب الحديد إليها وانجذابها إليه ، فيسمى ما وجدت فيه هذه الخاصية مغناطيسيا ، ثم إن من الجواهر المغناطيسية ما تكون هذه الخاصية فيه ضعيفة حتى إن ذا الحجم الكبير لا يجذب الحديد إلا قليلا ، وبعضها تكون فيه قوية فيجذب ما يكون حجمه منها بعض قراريط مكعبة مائتي رطل أو ثلاثمائة من الحديد ، ولا ينفصل عنه إلا بقوة ، وعنف وقطبا المغناطيس هما نقطتا الجذب من الجسم المغناطيسي.
وإذا عرض المغناطيس أو الجسم الممغطس لكرة من الحديد معلقة بخيط من الجسم سلس في الهواء جذب تلك الكرة إليه ، وكذا لو كان المعلق المغناطيس ، والمعرض الكرة ، وإذا قطع الجسم المغناطيسي إلى أجزاء متعددة كان كل جزء ولو دقيق مغناطيسيا مستقلا دقيقا قطبان ووسط ، فمن ذلك يعلم أنه يستحيل وجود مغناطيس له قطب واحد ، ولو علق قطعتا مغناطيس في خيط غير مفتول ، وقربتا إلى بعضهما لشوهد تباعدهما من القطبين المتماثلين وتجاذبهما من القطبين المتخالفين ، فإذا تركتا معلقتين ، وبينهما بعد اتجه كل من واحدة طرف إلى ناحية الشمال ، فإذا قرب هذان الطرفان من بعضهما تنافروا ، وإذا قرب أحدهما للطرف الثاني الذي كان متجها نحو الجنوب تجاذبا ، فمن ذلك أخذ وجه تشبيه بالسيال الكهربائي ، وعلم أن فيه قوتين مضادتين ، وتأثيرهما في جذب الحديد واحد ، ومعنى تضادهما أنهما يتعاكسان في الجذب فما تجذبه إحداهما تنفره الأخرى ، فعلم من ذلك أن جميع السوائل الكهربائية والمغناطيسية والعناصر والذوات مكونة من الأزواج ، وهي مخلوقات وممكنات