يدخل فيها ما في أقطار السماوات ، وتخوم الأرضين ، وهذا دليل على أنه لم يذكر ذلك للتخصيص بدليل أن الأنعام مما خلق الله ، والمعادن لم يذكرها ، وإنما ذكر هذه الأشياء لتأكيد معنى العموم كما ذكرنا في المثال ، وقوله : (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) [يس : الآية ٣٦]. فيه معنى لطيف وهو أنه تعالى إنما ذكر كون الكل مخلوقا لينزه الله عن الشرك فإن المخلوق لا يصلح شريكا للخالق لكن التوحيد الحقيقي لا يحصل إلا بالاعتراف بأن لا إله إلا الله فقال تعالى : اعلموا أن المانع من التشريك فيما تعلمون وما لا تعلمون ؛ لأن الخلق عام والمانع من الشركة الخلق ، فلا تشركوا بالله شيئا مما تعلمون ، فإنكم تعلمون أنه مخلوق ، ومما لا تعلمون فإن ما عند الله كله مخلوق لكونه كله ممكنا.
(مسألة أخرى) :
في قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَهاطَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠)). إشارة إلى دليل آخر ، وهو ما بين السماء والأرض ، فيكون الاستدلال بالسماء والأرض وما بينهما ، وذلك إنزال السماء من فوق ، وإخراج النبات من تحت وفيه مسائل :
(الأولى) : هذا الاستدلال قد تقدم فما الفائدة في إعادته بقوله : (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق : الآية ٩]. فنقول : قوله : (فَأَنْبَتْنا) [النّمل : الآية ٦٠]. استدلال بنفس النبات أي أن الأشجار تنمو وتزيد ، فكذلك بدن الإنسان بعد الموت ينمو ويزيد بأن يرجع الله تعالى إليه قوة النشوء والنماء كما يعيدها إلى الأشجار بواسطة ماء السماء ، وقوله : (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق : الآية ٩]. فيه حذف تقديره وحب الزرع الحصيد ، وهو المحصود أي أنشأنا جنات تقطف ثمارها وأصولها باقية ، وزرعا يحصد كل سنة ويزرع في كل عام أو عامين ، ويحتمل أن يقال التقدير وتنبت الحب الحصيد ، والأول هو المختار ، وقوله تعالى : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) [ق : الآية ١٠]. إشارة إلى المختلط من جنسين ؛ لأن الجنات تقطف ثمارها وتثمر من غير زراعة في كل سنة ، وهي خنثية أعضاء التناسل ، لكن النخل يؤبر بالعمل أو الهواء ، ولو لا التأبير لم يثمر فهو جنس مختلط من الزرع والشجر ، فكأنه تعالى خلق كل سنة ويزرع ، وخلق ما لا يزرع كل سنة ويقطف مع بقاء أصله ، وخلق المركب من جنسين في الثمار ؛ لأن بعض الثمار فاكهة ولا قوت فيه ، وأكثر الزرع قوت ، والثمر فاكهة وقوت ، الباسقات الطوال من النخيل ، وقوله تعالى : (باسِقاتٍ) [ق : الآية ١٠]. ليوجد (٢) كمال
__________________
(٢) قوله : ليوجد ... إلخ. كذا بالأصل ، وهو ظاهر وإن كان في العبارة ركة. اه.