القدرة والاختيار وذلك من حيث إنه الزرع إن قيل فيه أنه يمكن أن يقطف منه ثمرته لضعفه وضعف حجمه ، فكذلك يحتاج إلى إعادته كل سنة ، والجنات لكبرها وقتها واختلاف أجناسها تبقت وتثمر سنة بعد سنة ، فيقال : أليس النخل الباسقات أكبر وأقوى من الكرم الضعيف ، والنخل محتاجة كل سنة إلى عمل عامل ، والجنات أغلبها خنثى غير محتاجة ، فالله تعالى هو الذي قدر لذلك لا لكبر والصغر ، والطول والقصر ، وقوله تعالى : (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) [ق : الآية ١٠]. أي منضود بعضها فوق بعض في أكمامها كما في الزهرة وسنبلة الزرع فإن الأشجار أنوارها بارزة ، وأعضاء تذكيرها متميز بعضها من بعض لكل واحد منها أصل يخرج منه كالجوز واللوز وغيرهما ، والطلع في النخيل مزدوج يكون كل واحد منها أصلا وفيه مباحث :
(المبحث الأول في اختلافات أعضاء التناسل في الكائنات الآلية):
وضع الأعضاء التناسلية في الحيوانات والنباتات فيه اختلافات واضحة ، فالحيوانات التي لها قدرة على التحرك بإرادتها والانتقال من محل إلى آخر أعضاء تناسلها منفصلة غالبا على شخصين مختلفين ، أحدهما ذكر ، والآخر أنثى ، فالذكر حيث إنه منته بإحساس باطني في أزمان معلومة يبحث عن الأنثى فيقرب منها والنباتات بخلاف ذلك حيث إنها مجردة عن هذه الحركة ويجب أن تنمو وتتناسل وتموت في المحل الذي خلقت فيه ويوجد فيها العضوان التناسليان مجتمعتين غالبا على نبات واحد ، بل الغالب في زهرة واحدة ؛ ولذلك كانت حالة الخنوثة كثيرة الانتشار في النباتات ، ومع ذلك فبعض النباتات بمجرد التأمل فيه يظهر أنه ليس في أحوال مناسبة ، وذلك كالنباتات ذات المسكن ، وذات المسكنين ففي الحقيقة أعضاء التناسل فيها متباعدة عن بعضها ، وحينئذ ينبغي أن يتعجب هنا في الحكمة الإلهية والقدرة الربانية حيث إن جوهر الحيوانات المخصب سائل ، والعضو الذكر يلزم أن يؤثر مباشرة في العضو الأنثى لكي يمكنه أن يخصبه أي يلقحه ، فلو كان هذا الجوهر طبيعته في النباتات كما في الحيوانات كان التلقيح يحصل فيه موانع عظيمة جدا في النباتات ذا المسكن الواحد وذات المسكنين ، لكن الطلع في النباتات على هيئة مسحوق تنتقل جزئياته الخفيفة التي تكاد أن لا ترى بواسطة الهواء الجوي والرياح إلى المسافة عظيمة غالبا كما قال تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : الآية ٢٢]. ولننبه أيضا على أن الأزهار الذكور في النباتات ذات المسكن الواحد تكون موضوعة في أغلب الأحيان نحو الجزء العلوي للنباتات بحيث إن الطلع متى خرج من مساكن الحشفات يسقط من نفسه بثقله الخاص على الأزهار ، والإناث الموضوعة أسفله.