المياه ، والغالب حصول هذين العملين معا في آن واحد ، ويوجد في جميع الأحوال دائما مخروط أو أكثر من مائع يدور على نفسه بسرعة ، ويجذب في دوامته الهواء والماء والحيوانات التي يصادفها ، ويدع في باطنه خلوا قليل الاضطراب ، وقد يوجد مخروطان متعارضا القاعدة متلامسا القمة ، ويشاهد غالبا على سطح الكتلة المتحركة ثوارات ذات أصوات قوية ، ثم إن تلك الزوبعة تنتهي بإرسالها مطرا غزيرا أو بردا ، وتسعى في مدتها التي هي قصيرة على سطح الماء بدون أن تتبع اتجاها معينا ، وإذا صادفت في طريقها سفينة جذبتها معها.
وأما الزوابع الأرضية فتكون على شكل عمود عظيم من هواء أو غبار أو بخار يدور على نفسه بسرعة عظيمة ، ويتلف في سيره السريع الهائم ما يجده في ممره فتخف المستنقعات والبحيرات برفعه كتلة عظيمة منها ، وجذبه لها في دوامته ، ونقله لها إلى محال بعيدة جدا ، وتغطية الارض التي تقع ببقايا تلك الأشياء المجذوبة أو بطوفان مائي ، ومدة هذا الحادث وامتداده ونتائجه يختلفان كثيرا وقليل من الزوابع ما تحدث عنه حوادث غريبة مدهشة.
(في بيان قوله تعالى :
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣)))
(اعلم) أن الله تعالى لما خوف العباد بإنزال ما لا مرد له اتبعه بذكر هذه الآيات ، وهي مشتملة على أمور ثلاثة ، وذلك لانها دلائل على قدرة الله تعالى ، وأنها تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه وتشبه العذاب والقهر من بعض الوجوه :
(واعلم) أنه تعالى ذكر هاهنا أمورا أربعة :
(الأول البرق) : وهو قوله تعالى : (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الرّعد : الآية ١٢]. وفيه مسائل :
(المسألة الأولى):
قال صاحب الكشاف في انتصاب قوله : (خَوْفاً وَطَمَعاً) [الأعراف : الآية ٥٦]. وجوه :
(والأول) : لا يصح أن يكون مفعولا لهما لأنهما ليسا بفعل فاعل الفعل المعلل إلا على تقدير حذف المضاف أي إرادة خوف وطمع ، أو على معنى إخافة وإطماعا.