الكتاب إنه هو الزرع ، وفي الكلام كل نبات سمن الخضر ، وأقول : إنه تعالى حصر النبات في الآية حيث قال : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الأنعام : الآية ٩٥]. فالذي ينبت من الحب هو الزرع والذي ينبت من النوى هو الشجر ، إذا علمت هذا فلنبين لك كيفية تكون الخضر في زمنين منفصلا فنقول :
(اعلم) أنا إذا أخذنا حبة من اللوبيا ووضعناها في الأرض ، وتتبعناها في جميع أزمان نموها ، فترى أولا أن جميع كتلة هذه البزرة تتشرب الرطوبة وتنتفخ ويتمزق الغلاف البزري بدون انتظام ، وبعد زمن يسير يتبدئ الجذير الذي كان على هيئة حلمة صغيرة مخروطية بأن يستطيل وينعرس في الأرض وتتولد عنه تفرعات صغيرة جانبية دقيقة جدا وبعد ذلك بزمن يسير ترتفع الريشة التي كانت مختفية بين الفلقتين ، وتظهر إلى الخارج ، ويستطيل السويق ويرتفع خارج الأرض كلما غاص الجذير فيها ويتفرع ، وحينئذ تتباعد الفلقتان ، وتصير الريشة خالصة بالكلية ومكشوفة ، والوريقات الصغيرة المكونة لها تنبسط وتنمو وتصير خضرة اللون ، وتبتدئ بأن تأخذ من الهواء جزءا من الأصول التي تستعمل لنمو النبات الصغير ، فينتهي من الإنبات الأول الذي هو شبيه بزمن الرضاعة في الحيوانات كما قال تعالى : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً) [الأنعام : الآية ٩٩].
(الزمن الثاني) : إذا تأمل عاقل في الأعضاء النباتية التي تكلمنا عليها يتعجب من صنع الباري عزوجل ، وذلك أنه يشاهد الجذور ذات الألياف الشعرية التي تمتص السائلات الكائنة في الأرض بقوة عجيبة ، وتنقل السائل المغذي إلى أوعية النبات وكذلك إلى السوق والفروع القائمة في وسط الهواء المعد لتغذيه ، ثم الأوراق التي هي أعضاء تنفس وتحلب وإفراز يمتص بها النبات الهواء ويخرج الأبخرة التي ليست نافعة لغذائه ، وكذلك الأوعية المختلفة الأشكال التي يدور فيها السائل المغذي ، وكذلك المسا القشرية والخلايا ، وجميع هذه الحبة التي تحصل بها الوظائف النباتية ، وكل هذه الأعضاء ليس لها إلا غاية واحدة هي تغذية الزهر ، والمشاهدة تثبت لنا أن الجذور والسوق والأزرار والفروع لا توجد إلا لتكون الزهر.
والزهر لا يوجد إلا لتكون الثمر ، والثمر لم يخلق إلا لتغذية البزور لتكون الثمر والتويج والكأس ، وهو الذي يكون متلونا بألوان لطيفة خضر ، فأنبأنا تعالى بقوله : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) [الأنعام : الآية ٩٩]. فالزمن الأول (٣) الذي هو زمن الإنبات بمنزلة الحضانة ، وزمن تكون الحلمة والريشة زمن الفطامة ، وزمن كمال الإنبات يسمى بزمن
__________________
(٣) قوله : فالزمن الأول ... إلخ. كذا بالأصل وحرر. اه.