في أسفل الشجرة فيخرج في الكوز لبن ثخين حلو عذب يسكر سكرا مفرحا قويا ، فإن ضرب الهواء شاربه طرحه بالأرض ، وإن شربه من لم يعتده أو ضعيف المزاج أذهل عقله ، فإن بات ذلك السائل ليلا صار خلا قويا قاطعا أشد من الخل الاعتيادي.
وقال ميرة : لا يجنى إلا الثمر الذي ليس له من نضجه أقل من سنة إذ الثمار والأزهار موجودة على الأشجار دائما فتختار ، والثمار الصغيرة الخضرة الغير المغلفة إذا أريد أخذها بوصف كونها شديدة القبض يستعمل مبشورها في فيضان الدم ، وتدخل في مراهم تعالج بها الأوذيما فإذا اكتسب الثمر حجمه الطبيعي كانت مملوءة بعصارة أي سائل أبيض يسمى لبن النارجيل بحيث قد تحمل الثمرة الواحدة منه رطلين ، ويمكن إخراجه منها بثقب الخروق الثلاثة التي في قاعدتها ، وذلك اللبن عذب سكري فيه قليل حموضة فيكون مشروبا لذيذا مرطبا في البلاد الحارة التي ينبت فيها ، ويمكن أن يشرب منه مقدار كبير بدون سآمة ، بل ذكروا أنه نافع لآفات الصدر.
وذكر بعض الأوروبيين أنه شرب منه عشرين زجاجة مسودة في اليوم بدون أن يحصل له أدنى كدر ، وهو المشروب الاعتيادي لمعظم قبائل بحر الجنوب ، ويقال : أيضا إنه مدر للبول ونساء جزائر نتيلة يغسلن وجوههن بهذا اللبن ، وهو قابل ؛ لأن يتخمر تخمرا روحيا بحيث يستخرج منه كؤل أو الخل ، ووجد فيه بالتحليل الكيماوي ماء وسكر وصمغ وكربونات ومربيات ملحية وغير ذلك ، وكلما نضج الثمر اكتسب اللون قواما وتيبس تيبسا لوزيا من الدائرة إلى المركز ، فيتكون في الوسط بين الجزء المتيبس والجزء الباقي على لبنتيه نوع قشطة يلذ أكلها بالسكر وماء زهر البرتقال ، ويبقى في المركز دائما بعض لبن وفي بعض الأحيان لكن مع الندرة يتكون فيه جسم بيضاوي متجمد هو نوع بادر زهر نباتي أبيض مزرق كالصيني تنسب الأهالي له خواص طبية جليلة ، ويسمى في بلاد الهند كلابيت أو يقال كلابا.
ويسميه الأوروبيون حجر النارجيل ، وتباع تلك المتجمدات في الصين ويحملونها كالتمائم ، ويظنون أنها تحفظ من الوقوع في كثير من الأمراض ، واللوزة النضيجة تؤكل فتكون غذاء اعتياديا لأهالي الجزائر النابت فيها هذا الشجر ، وهي شديدة البياض معتمة يابسة تشبه البندق في الطعم ، وتؤكل وحدها أو مبتلة في الفلفل والخل ، وتدخل في الفطائر وغير ذلك ويدخلها أهل مصر في المعاجين يستعملونها في العادة للتقوية ويعدونها في البلاد التي تنبت فيها عسرة الهضم ، ومع ذلك هي عندهم أقبل من غيرها ، ويعمل منها في جزائر انتيلة مستحلبات ولعوقات وغير ذلك ، وتقوم هناك مقام اللوز الحلو ، ويستخرج من لوزة النارجيل دهن إذا كان جديدا جيدا الاستحضار دخل في الأغذية فإن عتق أو كان رديء التحضير استعمل للاستصباح.