حمل كلامه على هذا لا سيما وإنه طاهر بإجماع المسلمين ؛ لأنه بمحض خلق الله تعالى من غير معالجة أحد له ، ومن غير تخمير بخلاف المثلث ، وقد اتفق جمهور الأئمة على عدم جواز استعماله وعلى نجاسته ، فهذه المنافع التي اقتضت جواز استعمال المثلث كما أنها موجودة فيه فهي موجودة في الذي يخرج من الطلع وزيادة ، فإذا استعمل الإنسان بأمر الطبيب الثقة العدل مقدارا لإصلاح بدنه من غير أن يصل إلى حد الإسكار فهو مقدم على غيره قطعا ، بل ويحمل كلام كل من قال بجواز استعمال الخمر تداويا على هذا لأن منافعه تزيد على منافع الخمر بإجماع كلام الأطباء على ذلك ، فتأمل ذلك وتنبه له فإنه يحفظك من الزيغ والزلل ، ويحرسك من الوقوع في المهالك والعلل ، والله سبحانه وتعالى أعلم وكل من أثبت هذه المغايرة قال إنه النبيذ المطبوخ.
(الرابع) : أن السكر هو الطعام قاله أبو عبيدة واحتج عليه بقول الشاعر :
جعلت أعراض الكرام سكرا
أي جعلت ذمهم طعاما لك قال الزجاج : هذا بالخمر أشبه منه بالطعام ، والمعنى أنك جعلت تتخمر بأعراض الكرام يعني أنه جعل شغفه بغيبة الناس ، وتمزيق أعراضهم جاريا مجرى شربه الخمر.
(اعلم) أنه تعالى لما ذكر هذه الوجوه التي هي دلائل من وجه وتعديد للنعم من وجه آخر قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الرّعد : الآية ٤]. والمعنى أن من كان عاقلا علم بالضرورة أن هذه الأحوال لا يقدر عليها إلا الله سبحانه وتعالى.
(مسألة في بيان قوله تعالى : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ٩٩])
(قوله مشتبها). أي أنه تعالى أودع هيئة بعض النباتات صفة خاصة تتوافق مع بنيتها الباطنية ، فيظهر أنه أراد تعالى إضاءة عقل المتذكر بالنبات في البحث عن الارتباطات التي توجد بين جميع النباتات ، فهناك توجد عدة من نباتات توجد بينها مشابهة في البنية وفي شكل أجزائها ، حتى أن هذه المشابهة تعرف وتعتبر وتنسب إلى فصيلة واحدة ، فالحكمة الربانية أرادت ذلك لأجل تكثير النبات ، ومن معرفة ذلك يستدل على معرفة صنع الحكيم الواحد القادر ، فمثال المتشابهات الطائفة النجيلية التي منها القمح والشعير والذرة والقصب الفارسي وقصب السكر وما أشبه ذلك ، وأيضا من المتشابهات الطائفة الريحانة المسماة بالشفوية التي منها الريحان والمريمية وإكليل الجبل والنعناع والزعتر ، وما أشبه ذلك ، وكالطائفة البرتقالية التي منها الليمون بأنواعه والبرتقال والكباد والأترج والبلغموت وما أشبه ذلك ، وكل من